وصف العمدية شرط لوجوب الجزاء، فلا يرد عليهم السؤال، وأما
عن قول الجمهور فإنما قيده بوصف العمدية لأن الواقعة التى كانت
سبب نزول الآية كانت عمداً على ما روى أنه عن للصحابة حمار
وشج بالحديبية، وهم محرومون فطعنه أبو اليسر برحه فقتله.
فنزلت الآية، فخرج وصف العمدية مخرج الواقع لا مخرج الشرط.
وقال الزهرى: نزل الكتاب بالعمد، ووردت السنة بالوجوب فى
الخطأ.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)
مع أن الشرط بلوغه إلى الحرم لا غير؟قلنا: لما كان المقصود من بلوغ الهدى إلى الحرم تعظيم الكعبة ذكر
الكعبة تنبيهاً على ذلك، وقيل: معناه بالغ حرم الكعبة.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
أى دلالة لهذه الأمور المذكورة على علم الله تعالى بما في السموات
وما في الأرض وبكل شيء؟
قلنا: ذلك إشادة إلى كل ما سبق ذكره من الغيوب في هذه السررة
من أحوال الأنبياء والمنافقين واليهود، لا إلى المذكور في هذه الآية.
الثانى: أن العرب كانت تسفك الدماء وتنهب الأموال، فإذا دخل
الشهر الحرام أو دخلوا إلى البلد الحرام كفوا عن ذلك، فعلم الله
تعالى أنه لو لم يجعل لهم زماناً ومكاناً يقتضى كفهم عن القتل ونهب
الأموال لهلكوا فظهرت المناسبة.