فإن قيل: كيف قال تعالى: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) أي مخافة أن تحبط أعمالكم مع أن الأعمال إنما تحبط بالكفر لا بغيره من المعاصى، ورفع الصوت في مجلس النبى صلى الله عليه وسلم ليس بكفر، كيف وقد روى أن الآية نزلت في أبى بكر وعمر رضى الله
عنهما لما رفعا أصواتهما بين يدى رسول ألله صلى الله عليه وسلم، وروى أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان جهورى الصوت، فربما تأذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوته؟
قلنا: معناه لا تستخفوا به، فإن الاستخفاف به ربما أدى خطؤه إلى عمده، وعمده كفر يحبط العمل، وقيل: حبوط العمل مجاز عن نقصان المنزلة وانحطاط المرتبة.
* * *
فإن قيل: ما وجه الإرتباط والتعلق بين قوله تعالى:
(وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ) وبين ما قبله؟
قلنا: معناه فاتركوا عادة الجاهلية فإن الله تعالى لم يترككم عليها، ولكن الله حبب إليكم الإيمان، وقيل: معناه فتثبتوا في الأمور كما
يليق بالإيمان، فإن الله حبب إليكم الإيمان.
* * *
فإن قيل: إن كان الفسوق والعصيان بمعنى واحد، فما فائدة الجمع بينهما، وإن كان العصيان أعم من الفسوق فذكره مفن عن ذكر الفسوق لدخوله فيه فما فائدة الجمع بينهما؟
قلنا: قال ابن عباس رضى الله عنهما المراد بالفسوق هنا الكذب، وبالعصيان بقية المعاصى، وإنما أفرد الكذب بالذكر لأنه سبب نزول الآية.