فى الصدق في نفس الأمر وإن يتساويا في قضية واحدة أخبرا بها، وكان كل واحد منهما صادقا فيها، وحاصله أن هذا الاستفهام معناه
النفى كما في قوله تعالى: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) .
أى لا أحد يغفرها إلا الله، فمعناه هنا: لا أحد أصدق في حديثه من الله.
فيكون ترجيحاً للمحدث على المحدث في الصدق، لا ترجيحاً لأحد
الصدقين على الآخر، ولا شك أنه لا أحد أصدق في حديثه من الله.
لأن غيره يجوز عليه غير الصدق عقلا، ويقع منه أيضاً ولو نادراً
والله تعالى منزه عن الأمرين جميعا.
* * *
فإن قيل: قوله تعالى: (كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا) .
وأركسه أي رده فيصير معناه كلما ردوا إلى الفتنة ردوا فيها، وهو تكرار؟قلنا: جوابه أن الفاعل مختلف فانتفى التكرار، وصار المعنى: كلما
دعاهم قومهم إلى الشرك ردهم الله إليه وقلبهم بشؤم نفاقهم، فالرد
الأول بمعنى الدعاء والركس بمعنى الرد، والنكس.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) .
مع أنه ليس له أن يقتله خطأ؟
قلنا: إلا بمعنى ولا، كما في قوله تعالى: (لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) .
وقوله تعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)