وأيضا فإنه لما قيل له: "بلغ " طابق هذا ذكره بالرسالة، فإن المبلغ رسول
والرسول مبلغ ولا يلزم النبى أن يبلغ إلا أن يرسل، وأما قوله تعالى: "يا أيها
الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر" (المائدة: 41) فأمره وإن كان نهيا أوضح من الأول لأنه تسلية له عليه السلام وتأنيس وأمر بالصبر والرفق بنفسه، فماَله راجع إلى ما يرد مدحا مجردا عن الطلب وعلى ما أشير إليه يخرج ما ورد من هذا.
ولما افتتحت هذه السورة بما حاصله ما قدمناه من إعلامه عليه السلام من
هذا الأمر بعلى حاله ومزية قدره، ناسب ذلك ما احتوت عليه السورة من باب التنزيه في مواضع:
منها إعلامه تعالى بأن أزواج نبيه أمهات للمؤمنين فنزههن عن أن
يكون حكمهن حكم غيرهن من النساء مزية لهن وتخصيصا وإجلالا لنبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ومنها قوله تعالى: "ولما رأى المؤمنون الأحزاب
.... الآية"
فنزههم لم عن تطرق سوء أو دخول ارتياب على مصون معتقداتهم وجليل إيمانهم
(قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)
والآية بعد كذلك وهى قوله تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا".
ومنها "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ"
فنزههن تعالى وبين شرفهن على من عداهن.
ومنها تنزيه أهل البيت وتكرمتهم "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا"
..... الآية".