وقوله بعد موعظة بالغة بذكر من حرمه بعد إشرافه على الفوز وهو الذى "أخلد الى الأرض واتبع هواه، فقال بعد ذلك "فاقصص القصص لعلهم
يتفكرون "
وتذكيره إياه بمحنة الغفلة إلى ما ختمت به السورة وذلك غير خاف في التلطف بالموعظة، وقال تعالى بعد قصص سورة هود "وكذلك أخذ
ربك
.... الآية "
وقال بعد "فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ" إلى قوله: "وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ"
وتكررت آى إلى آخر السورة تجاري ما ذكر، وكم بين هذه وآى الأعراف في تلطف الاستدعاء.
وقال تعالى في آخر قصص سورة المؤمنين "فذرهم في غمرتهم حتى حين " إلى قوله "لا يشعرون " (الآيات: 54 - 56) ، ثم قال تعالى بعد "وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) .
استمرت آى على شدة الوعيد يتلو بعضها بعضا إلى قوله:.
"أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا"
وقوله تعالى بعد "إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ "
وكم بين هذه الآي الواقعة عقب قصص سورة هود
"وقال في آخر قصص الظلة "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ" إلى قوله خاتمة السورة "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ".
فوبخهم وعنفهم ونزه نبيه عليه الصلاة والسلام عن سوء توهمهم وعظيم إفكهم وافترائهم وكل هذا تعنيف وزجر لم يتقدم لهم مثله في السور المذكورة، ثم هو صريح في مشركى العرب معين لهم في غير تلويح ولا تعريض، ثم إنه وقع عقب كل قصة في هذه السورة قوله تعالى: "إن في ذلك لآية" وفيه تهديد ووعيد بين، فقال تعالى في آخر قصص والصافات (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) .
وهذا أعظم تقريع وأشد توبيخ، ثم نزه نفسه سبحانه عن بهتان
مقالهم وسوء ارتكابهم وقبح فعالهم بقوله سبحانه (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) .