هذا إذا ورد كسبيل قوله تعالى: "لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ"
وبابه، وحكم هذا القبيل واضح في حق من تعدى إليه الخطاب وقصد بالحقيقة به من أمته - صلى الله عليه وسلم - من حيث عدم عصمتهم وإمكان تطرق الشكوك والشبهة إليهم
فتقدير الكلام أي شىء يمن فيه أن يحملكم على التوقف والتكذيب بأمر
الحساب، وقد وضح لكم ما يرفع الريب ويزيل الإشكال، فلم تعلموا أن ربكم أحكم الحاكمين، أفيليق به وهو العليم الخبير أن يجعل اختلاف أحوالكم في الشكوك بعد خلقكم في أحسن تقويم، أيحسن أن يفعل ذلك عبثا وقد قال تعالى: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا" (ص: 27) فلما قرر سبحانه للعبيد على أنه أحكم الحاكمين مع ما تقدم من موجب نفي الاسترابة في وقوع الجزاء إذا اعتبر ونظر، وقعت في الترتيب سورة العلق مشيرة إلى ما به يقع الشقاء، ومنه يعلم الابتداء والانتهاء أوهو كتابه المبين الذي جعله تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمحسنين، فأمر بقراءته ليتدبروا آياته فقال: "اقرأ باسم ربك "
أي مستعينا به فسوف يتضح سبيلك وينتهج دليك، "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"
وأيضا فإنه تعالى أعلم عباده بخلقه الإنسان "في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين "
وحصل منه على ما قدم بيانه افتراق الطرفين وتباين المتقابلين، كل ذلك بسابق حكمته وإرادته "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا".
وقد بين سبحانه أقصر غاية ينالها أكرم خلقه وأجل عباده لديه من
الصنف الإنساني وذلك فيما أوضحت السورتان قبل من حال نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وجليل وعده الكريم له في قوله: "ولسوف يعطيك ربك فترضى"
وفصل حال ابتداء "ألم نشرح " على ما تقدم سؤال "رب اشرح لي صدري "
إلى ما أشارت إليه آي السورتين من خصائصه الجليلة وذلك أعلى
مقام يناله أحد ممن ذكر، فوقع تعقيب ذلك بسورة تضمنت الإشارة إلى حال من جعل في الطرف الآخر من الجنس الإنساني، وذلك حال من، أشير من لدن قوله تعالى: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) - إلى قوله -: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) .