النور والظلمة، إذ الظلمة ظلال هذه الأجرام، والنور عن أجرام نيرة محمولة فيها (وهي الشمس) ، والقمر والنجوم، فكأن الكلام في قوة: الحمد لله الذي أوضح الأمر لمن اعتبر واستبصر فعلم أن وجود النور والظلمة متوقف بحكم السببية التي شاءها تعالى على وجود أجرام السموات والأرض وما أودع فيها، ومع بيان الأمر في ذلك
حاد عنه من عمي عن الاستبصار "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون "
وقوله تعالى: "هو الذي خلقكم من طين " (آية: 2) مما يزيد هذا المعنى وضوحا فإنه تعالى ذكر أصلنا والمادة التي عنها أوجدنا
ذكر للنور والظلمة ما هو كالمادة وهو
وجود السموات والأرض وأشعر لفظ "جعل " بتوقف الوجود بحسب المشيئة على ما ذكر فكأن قد قيل: أي فرق بين وجود النور والظلمة عن وجود السموات والأرض وبين وجودكم عن الطين حتى يقع امتراء فتدعى نسبة الإيجاد إلى النور والظلمة؟ وهما لم يوجدا إلا بعد مادة أو سبب،كما طرأ في إيجادكم، فالأمر في ذلك أوضح شيء ثم أنتم تمترون.
ثم مرت السورة من أولها إلى آخرها منبهة على بسط الدلالات في الموجودات
مع التنبيه على أن ذلك لا يصل إلى استثمار فائدته إلا من هيء بحسب السابقة.
فقال (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) (آية 36) ثم قال تعالى (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) (آية: 36) وهو والله أعلم من نمط "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ"
أجمل هنا، ثم فسر بعد في السورة بعينها، والمراد أن من الخلق من
جعله الله سامعا مستيقظا معتبرا بأول وهلة، وقد أرى المثال سبحانه وتعالى من ذلك في قصة إبراهيم عليه السلام في قوله "وكذلك نري إبراهيم مكوت السموات والأرض " (آية: 75) فكأنه يقول لعباده المتقين تعالوا فانهجوا طريق الاعتبار ملة