فشيئا، فأول الوارد من ذلك في معرض السرد عليهم وعلى ترتيب سور الكتاب قوله تعالى: "أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم
... الآية "، ثم أتبع ذلك بانفراده تعالى بالخلق والاختراع والتدبير والربوبية، وفي طي ذلك أنه يفعل ما يشاء، لأن الكل خلقه وملكه وأنه العليم بوجه الحكمة في إرسال الرسل وكونهم من البشر، فأرغم الله تعالى بمضمون هذه الآى كل جاحد ومعاند، ثم ذكر تعالى في سورة هود قوم نوح: "ما نراك إلا بشرا مثلنا
... الآية"
وجوابه عليه السلام: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ"
أي وإني وإن كنت في البشرية مثلكم فقد خصني الله من فضله وآتاني رحمة من عنده وبرهانا على ما جئتكم به عنه، وفي هذه القصة أوضح عظة، ثم جرى هذا لصالح وشعيب عليهما السلام وديدن الأمم أبدا مع أنبيائهم ارتكاب هذه المقالات، وفيها من الحيد والعجز عن مقاومتهم ما لا يخفى، وما هو شاهد على تعنتهم، ثم زاد تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - تعريفا بأحوال من تقدمه من الأنبياء (عليهم السلام) ليسمع
ذلك من جرى له مثل ماجرى لهم فقال مثل مقالتهم فقال تعالى: "ولقد
أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية" وأعلم سبحانه أن
هذا لا يحيط شيئا من مناصبهم بل هو أوقع في قيام الحجة على العباد، ثم تلى ذلك بقوله: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " أي ليكون أبلغ في
الحجة وأقطع للعذر، فربما كانوا يقولون عند اختلاف الألسنة لا نفهم عنهم، إذ قد قالوا ذلك مع اتفاق اللغات، فقد قال قوم شعيب عليه السلام: