دعاء لهذا البيت (١) الذي أنت فيه يا محمّد، والآية مكيّة كما أنّ قوله {لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ} (٢) الآية مكّيّة أيضا، فجاء بلفظ الحاضر وقال في البقرة (٣) وهي مدنيّة {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً} لأن معنى الكلام في الآية المدنيّة أنّه دعاء لها أن يجعلها بلدا آمنا، ومعنى الكلام في الآية المكّيّة أي دعا لهذا البلد فجاء اللفظ مشاكلا (٤) للمعنى في الآيتين جميعا، والله أعلم.
تحقيق: قال المؤلف - وفقه الله -: قول إبراهيم عليه السلام في باقي هذا الدعاء (واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام) فيه سؤالان:
الأول: أن يقال كيف دعا إبراهيم بهذا ومن حصل في مرتبته لا يخاف أن يعبد صنما لأنّه لا نزاع بين الأمة أنه لا يجوز الكفر على الأنبياء عليهم السلام؟.
الثاني: أن يقال كيف قال (وبنيّ) ومن أولاده من عبد الأصنام؟.
والجواب عن السؤال الأول من وجهين:
أحدهما: أن يقال: الآية محمولة على هضم النّفس وإظهار الخضوع ليكون لمن هو دونه أسوة في شدّة الخوف وطلب الخاتمة.
الثاني: أن (الأصنام) هنا يراد بها الدنانير والدراهم حكاه أبو محمّد (٥).
وعبادتها الميل إليها بالكلّيّة ومنه الحديث (٦): «تعس عبد الدينار وتعس عبد الدّرهم».
(١) في نسخ المخطوط: «البلد» والمثبت من التعريف والإعلام.
(٢) سورة البلد: آية: ١.
(٣) آية: ١٢٦ من سورة البقرة.
(٤) المشاكلة: الموافقة. انظر اللسان: ١١/ ٣٥٧ مادة (شكل).
(٥) المحرر الوجيز: ٨/ ٢٥١.
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه: ٣/ ٢٢٣ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم، وعبد الخميصة إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث مغبرة -