فِي جَهَنَّمَ يَنْكَبُّ كَبَّةً مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي قَعْرِهَا اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنْهَا خَيْرَ مُسْتَجَارٍ!.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: صَرَّ الْجُنْدُبَ وَصَرْصَرَ الْبَازِيُّ كَأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا فِي صَوْتِ الْجُنْدُبِ اسْتِطَالَةً فَقَالُوا: صَرَّ صَرِيرًا فَمَدُّوا وَتَوَهَّمُوا فِي صَوْتِ الْبَازِيِّ تَقْطِيعًا فَقَالُوا: صَرْصَرَ.
وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ بِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا، فَإِنَّ سَتَّارًا وَ غَفَّارًا أَبْلَغُ مِنْ سَاتِرٍ وغافر وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كان غفارا} ،وَمِنْ هَذَا رَجَّحَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الرَّحْمَنِ عَلَى مَعْنَى الرَّحِيمِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْبِنَاءِ وَهُوَ الْأَلِفُ وَالنُّونُ وَقَدْ سَبَقَ فِي السَّادِسِ.
وَيَقْرُبُ مِنْهُ التَّضْعِيفُ - وَيُقَالُ التَّكْثِيرُ - وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى بِالصِّيغَةِ دَالَّةً عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ قَبْلَ التَّضْعِيفِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا تَضْعِيفُهُ وَلِهَذَا رُدَّ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} حَيْثُ جَعَلَ نَزَّلْنَا هُنَا لِلتَّضْعِيفِ.
وَقَدْ جَاءَ التَّضْعِيفُ دَالًّا عَلَى الْكَثْرَةِ فِي اللَّازِمِ قَلِيلًا نَحْوَ مَوَّتَ الْمَالُ.
وَجَاءَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّكْثِيرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلَا أُنْزِلَ عليه آية من ربه} . {لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} .
فإن قلت: {فأمتعه قليلا} مُشْكِلٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فَعَّلَ لِلتَّكْثِيرِ، فَكَيْفَ جَاءَ قَلِيلًا نَعْتًا لِمَصْدَرِ مَتَّعَ وَهَذَا وَصْفُ كَثِيرٍ بِقَلِيلٍ وَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ.