مَقَامٌ تَبَرٍّ فَلَمْ يَذْكُرِ الصِّفَةَ الْمُقْتَضِيَةَ اسْتِمْطَارَ الْعَفْوِ لَهُمْ وَذَكَرَ صِفَةَ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ الْعَزِيزُ الْغَالِبُ
وَقَوْلُهُ: {الْحَكِيمُ} الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ إِنْ عَفَا عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ
وَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْغُفْرَانِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى تَسْلِيمِ الْأَمْرِ إِلَى مَنْ هُوَ أَمَلَكُ لَهُمْ
وَلَوْ قِيلَ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ لَأُوهِمَ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَا يَسُوغُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ لَا لِنَبِيٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} وَهُمْ عِبَادُهُ عَذَّبَهُمْ أَوْ لَمْ يُعَذِّبْهُمْ فَلِأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ تُعَذِّبُ مَنِ الْعَادَةُ أَنْ تَحْكُمَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْعُبُودِيَّةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْقُدْرَةِ كَقَوْلِ رُؤْبَةَ:
يَا رَبِّ إِنْ أَخْطَأْتُ أَوْ نَسِيتُ
... فَأَنْتَ لَا تَنْسَى وَلَا تَمُوتُ
وَاللَّهُ لَا يَضِلُّ وَلَا يَنْسَى وَلَا يَمُوتُ أَخْطَأَ رُؤْبَةُ أَوْ أَصَابَ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنْ أَخْطَأْتُ تَجَاوَزْتَ لِضَعْفِي وَقُوَّتِكَ وَنَقْصِي وَكَمَالِكَ
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ الله عزيز حكيم}
والجواب ما ذكرناه
ومثله قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إنك أنت العزيز الحكيم}
وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ غَافِرٍ فِي قَوْلِ السَّادَةِ الْمَلَائِكَةِ: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إنك أنت العزيز الحكيم}
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلَا