أَحَدُهُمَا: لِئَلَّا يَسْتَحْيِي إِخْوَتُهُ وَالْكَرِيمُ يُغْضِي وَلَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الصَّفَاءِ.
وَالثَّانِي: لِأَنَّ السِّجْنَ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَكَانَ الْخُرُوجُ مِنْهُ أَعْظَمُ بِخِلَافِ الْجُبِّ.
وَقَوْلُهُ: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكُهُولَةَ مَعَ أَنَّهُ لَا إِعْجَازَ فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْمَهْدِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَلَا يَتَمَادَى بِهِ الْعُمْرُ فَجُعِلَ الِاحْتِرَاسُ بِقَوْلِهِ: وَكَهْلًا .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} ، وَالسَّقْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ فَوْقٍ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَفَعَ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ السَّقْفَ قَدْ يَكُونُ مِنْ تَحْتٍ بِالنِّسْبَةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ السُّقُوفِ يَكُونُ أَرْضًا لِقَوْمٍ وَسَقْفًا لِآخَرِينَ فَرَفَعَ تَعَالَى هَذَا الِاحْتِمَالَ بِشَيْئَيْنِ وَهُمَا وقوله: عَلَيْهِمْ وَلَفْظَةُ خَرَّ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا هَبَطَ أَوْ سَقَطَ مِنَ الْعُلُوِّ إِلَى سُفْلٍ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا أَكَّدَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَالِّينَ تَحْتَهُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ خَرَّ عَلَيْنَا سَقْفٌ وَوَقَعَ عَلَيْنَا حَائِطٌ فَجَاءَ بِقَوْلِهِ: مِنْ فَوْقِهِمْ لِيُخْرِجَ هَذَا الشَّكَّ الَّذِي فِي كَلَامِهِمْ فَقَالَ: من فوقهم أَيْ عَلَيْهِمْ وَقَعَ وَكَانُوا تَحْتَهُ فَهَلَكُوا وَمَا أفتلوا.
وقوله تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ مَعْنَى كَيْفَ وَ أَيْنَ احْتَرَسَ بِقَوْلِهِ: حَرْثَكُمْ لِأَنَّ الْحَرْثَ لَا يَكُونُ إِلَّا حَيْثُ تَنْبُتُ الْبُذُورُ وَيَنْبُتُ الزَّرْعُ وَهُوَ الْمَحَلُّ الْمَخْصُوصُ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمُصِيبَةِ يُخَفِّفُ مِنْهَا وَيُسَلِّي عَنْهَا فَأَعْلَمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ ذلك.