وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ وَجَعَلَ وَجُودَهُ كَالْعَدَمِ وَهُوَ أَفْسَدُ الطُّرُقِ.
وَقَدْ رُدَّ عَلَى فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ قَوْلُهُ إِنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْمُهْمَلَ لَا يَقَعُ فِي كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَأَمَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً لِلتَّعَجُّبِ وَالتَّقْدِيرُ: فَبِأَيِّ رَحْمَةٍ؟ فَجَعَلَ الزَّائِدَ مُهْمَلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ مَا أُتِيَ بِهِ لِغَرَضِ التَّقْوِيَةِ وَالتَّوْكِيدِ وَالْمُهْمَلَ مَا لَمْ تَضَعْهُ الْعَرَبُ وَهُوَ ضِدُّ المستعمل وليس المراد من الزيادة حَيْثُ - ذَكَرَهَا النَّحْوِيُّونَ - إِهْمَالَ اللَّفْظِ وَلَا كَوْنُهُ لَغْوًا فَتَحْتَاجُ إِلَى التَّنَكُّبِ عَنِ التَّعْبِيرِ بِهَا إِلَى غَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا سَمَّوْا مَا زَائِدَةً هُنَا لِجَوَازِ تَعَدِّي الْعَامِلِ قَبْلَهَا إِلَى مَا بَعْدَهَا لَا لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا مَعْنًى.
وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي الْآيَةِ: إِنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ التَّعَجُّبِيِّ فَقَدِ انْتُقِدَ عَلَيْهِ بِأَنْ قِيلَ: تَقْدِيرُهُ: فَبِأَيِّ رَحْمَةٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ مَا مُضَافَةً لِلرَّحْمَةِ وَأَسْمَاءُ الِاسْتِفْهَامِ التَّعَجُّبِيِّ لَا يُضَافُ مِنْهَا غَيْرُ أَيْ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْإِضَافَةُ كَانَ مَا بَعْدَهَا بَدَلًا مِنْهَا وَالْمُبْدَلُ مِنَ اسْمِ الِاسْتِفْهَامِ يَجِبُ مَعَهُ ذِكْرُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَيْسَتِ الْهَمْزَةُ مَذْكُورَةً فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَسَنُبَيِّنُ فِي فَصْلِ زِيَادَةِ الْحُرُوفِ الْفَائِدَةَ فِي إدخال ما ها هنا، فَانْظُرْ هُنَاكَ.
تَنْبِيهَاتٌ:.
الْأَوَّلُ: أَهْلُ الصِّنَاعَةِ يُطْلِقُونَ الزَّائِدَ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا مَا يُتَعَلَّقُ بِهِ هُنَا وَهُوَ مَا أُقْحِمَ تَأْكِيدًا نَحْوَ: {فَبِمَا رحمة من الله لنت لهم} {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بعوضة} {ليس كمثله شيء} .