وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي الدَّلِيلِ اللَّفْظِيِّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ الْمَحْذُوفِ. وَأُنْكِرَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بلى قادرين على أن نسوي بنانه} أَنَّ التَّقْدِيرَ: بَلَى حَسِبَنَا قَادِرِينَ وَالْحِسَابُ الْمَذْكُورُ بِمَعْنَى الظَّنِّ وَالْمَحْذُوفُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ إِذِ التَّرَدُّدُ فِي الْإِعَادَةِ كُفْرٌ فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحِسَابَ الْمُقَدَّرَ بِمَعْنَى الْجَزْمِ وَالِاعْتِقَادِ لَا بِمَعْنَى الظَّنِّ وَتَقْدِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ الْمَلْفُوظَ.
وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ ذِكْرُهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ:.
مِنْهَا: وَهُوَ أَقْوَاهَا، كَقَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ ربك} أَيْ أَمْرُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} .
وَقَوْلُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأرض} ،أَيْ كَعَرْضِ بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِهِ فِي آيَةِ الْحَدِيدِ.
وَفِيهِ إِيجَازٌ بَلِيغٌ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْعَرْضُ كَذَلِكَ فَمَا ظَنُّكَ بِالطُّولِ! كَقَوْلِهِ: {بَطَائِنُهَا من إستبرق} .
وَقِيلَ: إِنَّمَا أَرَادَ التَّعْظِيمَ وَالسِّعَةَ لِأَحَقِّيَّةِ الْعَرْضِ، كَقَوْلِهِ:
كَأَنَّ بِلَادَ اللَّهِ وَهْيَ عَرِيضَةٌ عَلَى الْخَائِفِ الْمَظْلُومِ كِفَّةُ حَابِلِ
وَمِنْهَا: أَلَّا يَكُونَ الْفِعْلُ طَالِبًا لَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ امْتَنَعَ حَذْفُهُ كَالْفَاعِلِ وَمَفْعُولِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَاسْمِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُحْذَفْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الْغَرَضِ.