وَجَازَ ذَلِكَ لِطُولِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: مَعَهُ ، وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ وَلِتُؤَوِّبَ مَعَهُ الطَّيْرُ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَقْتَضِيَ الْكَلَامُ شَيْئَيْنِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {فمن ربكما يا موسى} وَلَمْ يَقُلْ: وَهَارُونَ لِأَنَّ مُوسَى الْمَقْصُودُ الْمُتَحَمِّلُ أَعْبَاءَ الرِّسَالَةِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ.
وَغَاصَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الْكَلَامَ فَيَقُولُ: وَهَارُونَ وَلَكِنَّهُ نَكَلَ عَنْ خِطَابِ هَارُونَ تَوَقِّيًا لِفَصَاحَتِهِ وَحِدَّةِ جَوَابِهِ وَوَقْعِ خِطَابِهِ إِذِ الْفَصَاحَةُ تُنَكِّلُ الْخَصْمَ عَنِ الْخَصْمِ لِلْجَدَلِ وَتُنَكِّبُهُ عَنْ مُعَارَضَتِهِ.
السَّادِسُ: أَنْ يُذْكَرَ شَيْئَانِ ثُمَّ يَعُودُ الضَّمِيرُ إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَقْدِيرُهُ: إِذَا رَأَوْا تِجَارَةً انْفَضُّوا إِلَيْهَا أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهِ فَحُذِفَ أَحَدُهُمَا لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ.
وَيَبْقَى عَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ أُوْثِرَ ذِكْرُ التِّجَارَةِ؟ وَهَلَّا أُوثِرَ اللهو؟.
وجوابه ما قال الرَّاغِبُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: إِنَّ التِّجَارَةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبَ انْفِضَاضِ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ أُعِيدَ الضَّمِيرُ إِلَيْهَا. وَلِأَنَّهُ قَدْ تُشْغِلُ التِّجَارَةُ عَنِ الْعِبَادَةِ مَا لَا يُشْغِلُهُ اللَّهْوُ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ،فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وأعاد الضمير.