{جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير} والفرق أن الأولى حذفت الباء ففيها للاختصار استغناء بالتي قبلها وخرجت عَنِ الْأَصْلِ لِلتَّوْكِيدِ وَتَقْدِيرُ الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُ مَرَرْتُ بِكَ وَبِأَخِيكَ وَبِأَبِيكَ إِذَا اخْتَصَرْتَ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي قِصَّةِ ثَمُودَ: {مَا أَنْتَ إِلَّا بشر مثلنا} وفي قصة شعيب: {وما أنت} بِالْوَاوِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُولَى جَرَى عَلَى انْقِطَاعِ الكلام عند النحويين واستئناف {وما أنت} فَاسْتَغْنَى عَنِ الْوَاوِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنَ الِابْتِدَاءِ وَفِي الثَّانِيَةِ جَرَى فِي الْعَطْفِ وَأَنْ يَكُونَ قوله: {وما أنت} معطوفا على {إنما أنت} .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يمكرون} وَفِي سُورَةِ النَّمْلِ: {وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ} بِإِثْبَاتِ النُّونِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الْقِصَّةَ لَمَّا طَالَتْ فِي سُورَةِ النَّحْلِ نَاسَبَ التَّخْفِيفُ بِحَذْفِ النُّونِ بِخِلَافِهِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ فَإِنَّ الْوَاوَ اسْتِئْنَافِيَّةٌ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا.
وَقَوْلُهُ فِي البقرة: {فلا تكونن من الممترين} وَفِي آلِ عِمْرَانَ: {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الْخِطَابَ فِي الْبَقَرَةِ لِلْيَهُودِ وَهُمْ أشد جدالا.
ومنه قوله في الأعراف: {لست بربكم قالوا بلى شهدنا} وفي الأنعام: {يا معشر الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شهدنا على أنفسنا} .