وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} إِذْ مَعْنَاهُ كَبِيرٌ وَلَفْظُهُ يَسِيرٌ.
وَقَدْ نُظِرَ لِقَوْلِ الْعَرَبِ:" الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ "وَهُوَ بِنُونٍ ثُمَّ فَاءٍ وَيُرْوَى بِتَاءٍ ثُمَّ قَافٍ وَيُرْوَى " أَوْقَى " وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أُقِيمَ وَتَحَقَّقَ حُكْمُهُ خَافَ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَقَدْ حَكَاهُ الْحَوْفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ علي بن أبي طالب وَقَالَ: قَوْلُ عَلِيٍّ فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى بَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} وقد تكلموا في وجه الأبلغية. انتهى.
وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ "الْمَثَلِ السَّائِرِ" إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا نِسْبَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَلَامِ الْمَخْلُوقِ وَإِنَّمَا الْعُلَمَاءُ يَقْدَحُونَ أَذْهَانَهُمْ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ وَكَيْفَ يُقَابَلُ الْمُعْجِزُ بِغَيْرِهِ مُفَاضَلَةً وَهُوَ مِنْهُ فِي مَرْتَبَةِ الْعَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِهِ:
وَمَاذَا يَقُولُ الْقَائِلُونَ إِذَا بَدَا جَمَالُ خِطَابٍ فَاتَ فَهْمَ الْخَلَائِقِ
وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ وُجُوهٌ:.
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أَوْجَزُ فَإِنَّ حُرُوفَهُ عَشْرَةٌ وَحُرُوفُ "الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ" أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَالتَّاءُ وَأَلِفُ الْوَصْلِ سَاقِطَانِ لَفْظًا وَكَذَا التَّنْوِينُ لِتَمَامِ الْكَلَامِ الْمُقْتَضِي لِلْوَقْفِ.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُمْ فِيهِ كُلْفَةٌ بِتَكْرِيرِ الْقَتْلِ وَلَا تَكْرِيرَ فِي الْآيَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ لَفْظَ الْقِصَاصِ فِيهِ حُرُوفٌ مُتَلَائِمَةٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقَافِ إِلَى الصَّادِ إِذِ الْقَافُ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالصَّادُ مِنْ حُرُوفِ الاستعلاء والإطباق،.