وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} ، {مشارق الأرض ومغاربها} ، وَلِذَلِكَ لَمَّا اسْتَغْنَى عَنْ أَحَدِهِمَا ذَكَرَ الْمَشْرِقَ فقد فقال: {ورب المشارق} {إنا زينا السماء الدنيا} .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} وقوله: {وأنه هو أمات وأحيا} {وكنتم أمواتا فأحياكم} .
وَيُمْكِنُ فِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ:.
مِنْهَا: أَنَّ فِيهِ قَهْرًا لِلْخَلْقِ وَالْمَقَامُ يَقْتَضِيهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ حَيَاةَ الإنسان كلاحياة وَمَآلُهُ إِلَى الْمَوْتِ وَلَا حَيَاةَ إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَوْتَ تَقَدَّمَ فِي الْوُجُودِ إِذِ الْإِنْسَانُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ كَانَ مَيِّتًا لِعَدَمِ الرُّوحِ.
وَهَذَا إِنْ أُرِيدَ بِالْمَوْتِ عدم الوجود بدليل {وكنتم أمواتا فأحياكم} وإن أريد به بعد الوجود فالناس منتازعون فِي الْمَوْتِ هَلْ هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَالْحَيَاةِ أولا؟.
وَقِيلَ بِالْوَقْفِ، فَقَالَتِ الْفَلَاسِفَةُ: الْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يُضَادُّ الْحَيَاةَ مُحْتَجِّينَ بقوله: {الذي خلق الموت والحياة} وَالْحَدِيثُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ وَذَبْحِهِ.
وَأُجِيبَ عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْخَلْقَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْمُقَدَّرِ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ لِبَيَانِ انْقِطَاعِ الْمَوْتِ وَثُبُوتِ الْخُلُودِ.
فَإِنْ قُلْنَا: عَدَمِيٌّ، فَالتَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَاةِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَعَلَى الصَّحِيحِ تَقَابُلُ التَّضَادِّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ تَقْدِيمُ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ،.