وَتَأْوِيلُهُ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا فَسَأَلْتُمْ مُوسَى فَقَالَ لَكُمْ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تذبحوا بقرة} .
وَأَمَّا الزَّمَخْشَرِيُّ فَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِيرَادَهَا إِنَّمَا كَانَ يَتَأَتَّى عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ لِمَعْنًى حَسَنٍ لَطِيفٍ اسْتَخْرَجَهُ وَأَبْدَاهُ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهه هواه} وَأَصْلُ الْكَلَامِ هَوَاهُ إِلَهَهُ كَمَا تَقُولُ اتَّخَذَ الصَّنَمَ مَعْبُودًا لَكِنْ قُدِّمَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِلْعِنَايَةِ كَمَا تَقُولُ عَلِمْتُ مُنْطَلِقًا زَيْدًا لِفَضْلِ عِنَايَتِكَ بِانْطِلَاقِهِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} الْآيَةَ، أَيْ أَنْزَلَهُ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْوَاحِدِيُّ.
وَرَدَّهُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَلَمْ يَجْعَلْ له عوجا قيما} مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَامِلٌ فِي ذَاتِهِ وَأَنَّ " قَيِّمًا " مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُكَمِّلٌ لِغَيْرِهِ وَكَوْنُهُ كَامِلًا فِي ذَاتِهِ سَابِقٌ عَلَى كَوْنِهِ مُكَمِّلًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ " قَيِّمًا " أَنَّهُ قَائِمٌ بِمَصَالِحِ الْغَيْرِ. قَالَ: فَثَبَتَ بِالْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ أَنَّ التَّرْتِيبَ الصَّحِيحَ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَاسِدٌ يَمْتَنِعُ الْعَقْلُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَيْهِ. انْتَهَى.
وَهَذَا فَهْمٌ عَجِيبٌ مِنَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ كَوْنَهُ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ مُتَأَخِّرٌ عَنْ كَوْنِهِ قَيِّمًا فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَرْتِيبِ اللَّفْظِ لِأَجْلِ الْإِعْرَابِ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ ثَابِتًا قَبْلَ الْآخَرِ وَيُذْكَرُ بَعْدَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْبَحْثَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى تَفْسِيرِ الْقَيِّمِ بِالْمُسْتَقِيمِ فَأَمَّا إِذَا فُسِّرَ بِالْقِيَامِ عَلَى غَيْرِهِ فلا نسلم أن القائل يقول بالتقديم والتأخير.
وهاهنا أمران أمران:.