بِالْيَاءِ حَمْلًا عَلَى أَنَا لِأَنَّ الَّذِي هُوَ أَنَا فِي الْمَعْنَى.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَقِمْ كما أمرت ومن تاب معك} غُلِّبَ فِيهِ جَانِبُ أَنْتَ عَلَى جَانِبِ مَنْ فَأُسْنِدَ إِلَيْهِ الْفِعْلُ وَكَانَ تَقْدِيرُهُ: فَاسْتَقِيمُوا فَغُلِّبَ الْخِطَابُ عَلَى الْغَيْبَةِ لِأَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ فَصَلَ بَيْنَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِمُ الْفِعْلُ فَصَارَ كَمَا تَرَى. قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ تَقْدِيرُهُ: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلْيَسْتَقِمْ كَذَلِكَ مَنْ تَابَ مَعَكَ.
وَمَا قُلْنَا أَقَلُّ تَقْدِيرًا مِنْ هَذَا فَاخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ.
وقوله تعالى: {قال اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} فَأَعَادَ الضَّمِيرَ بِلَفْظِ الْخِطَابِ وَإِنْ كَانَ مَنْ تَبِعَكَ يَقْتَضِي الْغَيْبَةَ تَغْلِيبًا لِلْمُخَاطَبِ وَجُعِلَ الْغَائِبُ تَبَعًا لَهُ كَمَا كَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَحَسُنَ أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لَهُ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ ارْتِبَاطِ اللَّفْظِ بالمعنى.
وكقوله تعالى: {يا أيها النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قبلكم لعلكم تتقون} فإن الخطاب في لعلكم متعلق بقوله خلقكم لا بقوله اعبدوا حَتَّى يُخْتَصَّ بِالنَّاسِ الْمُخَاطَبِينَ إِذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ اعْبُدُوا لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وما ربك بغافل عما تعملون} فِيمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِـمَا تَعْمَلُونَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ وَالْمُخَاطَبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ سَامِعٍ أَبَدًا فَيَكُونُ تَغْلِيبًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ خِطَابُ مَنْ سِوَاهُ بِدُونِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ التَّغْلِيبِ لامتنان أَنْ يُخَاطَبَ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ أَوْ تَثْنِيَةٍ أَوْ جَمْعٍ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
.......