الجاحدين بقوله: {إن كنتم صادقين} وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْخِطَابُ إِلَّا فِيهِمْ فَتَغْلِيبُ حَالِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْخِطَابِ لَا عهد به في مخاطبات العرب.
الْخَامِسُ: تَغْلِيبُ الْأَكْثَرِ عَلَى الْأَقَلِّ.
بِأَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْجَمِيعِ وَصْفٌ يَخْتَصُّ بِالْأَكْثَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لنخرجنك يا شعيب وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ في ملتنا} أُدْخِلَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: {لَتَعُودُنَّ} بِحُكْمِ التَّغْلِيبِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلَّتِهِمْ أَصْلًا حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {إِنْ عدنا في ملتكم} ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ عَادَ بِمَعْنَى صَارَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَأَنْشَدُوا:
فَإِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ أَحْسَنَ مَرَّةً
... إِلَيَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّ ذُنُوبُ
وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الْأَيَّامِ فَاعِلُ عَادَتْ وَإِنَّمَا الشَّاهِدُ فِي قَوْلِ أُمَيَّةَ:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ
... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا
وَيَحْتَمِلُ جَوَابًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ لِشُعَيْبٍ ذَلِكَ مِنْ تَعَنُّتِهِمْ وَبُهْتَانِهِمْ وَادِّعَائِهِمْ أَنَّ شُعَيْبًا كَانَ عَلَى مِلَّتِهِمْ لَا كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى. وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَكُونُ لنا أن نعود فيها} كِنَايَةٌ عَنْ أَتْبَاعِهِ لِمُجَرَّدِ فَائِدَتِهِمْ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قَالَ ذَلِكَ عَنْ نفسه وأتباعه فقد استثنى والمعلق بالمشيئة لايلزم إِمْكَانُهُ شَرْعًا تَقْدِيرًا وَالِاعْتِرَافُ بِالْقُدْرَةِ وَالرُّجُوعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَإِنْ عَلِمَ الْعَبْدُ عِصْمَةَ نَفْسِهِ أَدَبًا مع ربه لاشكا.