وَفِيهِ أَنَّهُمْ يُبْدُونَ بَيْنَ يَدَيْ كُلِّ دُعَاءٍ لَهُ سُبْحَانَهُ وَمُنَاجَاةٍ لَهُ صِفَاتِ عَظَمَتِهِ لِمُخَاطَبَتِهِ عَلَى الْأَدَبِ وَالتَّعْظِيمِ لَا عَنِ الْغَفْلَةِ وَالْإِغْفَالِ ولا عن اللعب والاستخفاف كما يَدْعُو بِلَا نِيَّةٍ أَوْ عَلَى تَلَعُّبٍ وَغَفْلَةٍ وَهُمْ كَثِيرٌ.
وَمِنْهُ أَنَّ مُنَاجَاتَهُ لَا تَصْعَدُ إلا إذا تطهر مِنْ أَدْنَاسِ الْجَهَالَةِ بِهِ كَمَا لَا تَسْجُدُ الْأَعْضَاءُ إِلَّا بَعْدَ التَّطْهِيرِ مِنْ حَدَثِ الْأَجْسَامِ وَلِذَلِكَ قُدِّمَتِ الِاسْتِعَاذَةُ عَلَى الْقُرْآنِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرسول} ولم يقل:" واستغفرت لهم " وعدل عنه إلى طريق الالتفات لِأَنَّ فِي هَذَا الِالْتِفَاتِ بَيَانَ تَعْظِيمِ اسْتِغْفَارِهِ وَأَنَّ شَفَاعَةَ مَنِ اسْمُهُ الرَّسُولُ بِمَكَانٍ.
وَمِنْهَا: التَّنْبِيهُ عَلَى مَا حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ وَارِدًا عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإليه ترجعون} ، أَصْلُ الْكَلَامِ: وَمَا لَكَمَ لَا تَعْبُدُونَ الَّذِي فَطَرَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَبْرَزَ الْكَلَامَ فِي مَعْرِضِ الْمُنَاصَحَةِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يُرِيدُ مُنَاصَحَتَهُمْ لِيَتَلَطَّفَ بِهِمْ وَيُرِيَهُمْ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ لَهُمْ إِلَّا مَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لَمَّا انْقَضَى غَرَضُهُ مِنْ ذَلِكَ قال: {وإليه ترجعون} لِيَدُلَّ عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَصْلِ الْكَلَامِ وَمُقْتَضِيًا لَهُ ثُمَّ سَاقَهُ هَذَا الْمَسَاقَ إِلَى أن قال: {إني آمنت بربكم فاسمعون} .
ومنها: أن يكون الغرض به التَّتْمِيمَ لِمَعْنًى مَقْصُودٍ لِلْمُتَكَلِّمِ، فَيَأْتِي بِهِ مُحَافَظَةً على تتميم.