وَقَوْلِهِ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مما في بطونه} ذَهَبَ بِالْأَنْعَامِ إِلَى مَعْنَى النَّعَمِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِ.
وَقَوْلِهِ: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قريب من المحسنين} ، وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذُكِّرَتْ عَلَى مَعْنَى الْإِحْسَانِ. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْعَرَبَ تُفَرِّقُ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْقُرْبِ مِنَ الْمَكَانِ فَيَقُولُونَ: هَذِهِ قَرِيبَتِي مِنَ النَّسَبِ وَقَرِيبِي مِنَ الْمَكَانِ فَعَلُوا ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَ قُرْبِ النَّسَبِ وَالْمَكَانِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ كُلَّ مَا قَرُبَ مِنْ مَكَانٍ وَنَسَبٍ فَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنَ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ يُرِيدُ أَنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ الْقُرْبَ مِنَ الْمَكَانِ قُلْتَ زَيْدٌ قَرِيبٌ مِنْ عَمْرٍو وَهِنْدٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الْعَبَّاسِ فَكَذَا فِي النَّسَبِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ذُكِّرَ قَرِيبٌ لِتَذْكِيرِ الْمَكَانِ أَيْ مَكَانًا قَرِيبًا. وَرَدَّهُ ابْنُ الشَّجَرِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَنُصِبَ قَرِيبٌ عَلَى الظَّرْفِ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ هُنَا الْمَطَرُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِيهِ فَحُمِلَ الْمُذَكَّرُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِأَنَّ الرَّحْمَةَ وَالْغُفْرَانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقِيلَ لِأَنَّهَا وَالرَّحِمَ سَوَاءٌ.
وَمِنْهُ: {وَأَقْرَبَ رحما} فَحَمَلُوا الْخَبَرَ عَلَى الْمَعْنَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هذا رحمة من ربي} .
وَقِيلَ: الرَّحْمَةُ مَصْدَرٌ وَالْمَصَادِرُ كَمَا لَا تُجْمَعُ لَا تُؤَنَّثُ.
وَقِيلَ: قَرِيبٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٌ وفعيل يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ حَقِيقِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهِيَ رَمِيمٌ} .