نخل منقعر} ، فَقَالَ: كُلُّ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَلَكَ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَى اللَّفْظِ تَذْكِيرًا وَلَكَ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَى الْمَعْنَى تَأْنِيثًا وَهَذَا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ تَأْنِيثُهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَتَارَةً يُلْحَظُ مَعْنَى الْجِنْسِ فَيُذَكَّرُ وَتَارَةً مَعْنَى الْجَمَاعَةِ فَيُؤَنَّثُ قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ شعيب: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} ، وفي قصة صالح: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} . وقال: {إن البقر تشابه علينا} وَقُرِئَ: تَشَابَهَتْ .
وَأَبْدَى السُّهَيْلِيُّ لِلْحَذْفِ وَالْإِثْبَاتِ مَعْنًى حَسَنًا فَقَالَ: إِنَّمَا حُذِفَتْ مِنْهُ لِأَنَّ الصَّيْحَةَ فِيهَا بِمَعْنَى الْعَذَابِ وَالْخِزْيِ إِذْ كَانَتْ مُنْتَظِمَةً بقوله: {ومن خزي يومئذ} فَقَوِيَ التَّذْكِيرُ بِخِلَافِ قِصَّةِ شُعَيْبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا ذَلِكَ.
وَأَجَابَ غَيْرُهُ: بِأَنَّ الصَّيْحَةَ يُرَادُ بِهَا الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الصِّيَاحِ فَيَجِيءُ فِيهَا التَّذْكِيرُ فَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَحْدَةُ مِنَ الْمَصْدَرِ فَيَكُونُ التَّأْنِيثُ أَحْسَنَ.
وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنِ الْعَذَابِ الَّذِي أَصَابَ بِهِ قَوْمَ شُعَيْبٍ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ كُلُّهَا مُفْرَدَةُ اللَّفْظِ:.
أَحَدُهَا: الرَّجْفَةُ فِي قوله: {فأخذتهم الرجفة} .
وَالثَّانِي: الظُّلَّةُ فِي قَوْلِهِ: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} .
وَالثَّالِثُ: الصَّيْحَةُ وَجَمَعَ لَهُمُ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ الرَّجْفَةَ بَدَأَتْ بِهِمْ فَأَصْحَرُوا فِي الْفَضَاءِ خَوْفًا مِنْ سُقُوطِ الْأَبْنِيَةِ عَلَيْهِمْ فَضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ بِحَرِّهَا وَرُفِعَتْ لَهُمُ الظُّلَّةُ فَهُرِعُوا إِلَيْهَا يَسْتَظِلُّونَ بِهَا مِنَ الشمس فنزل عليهم العذاب وفيه الصيحة فكان ذكر الصيحةمع الرَّجْفَةِ وَالظُّلَّةِ أَحْسَنَ مِنْ ذِكْرِ الصِّيَاحِ فَكَانَ ذِكْرُ التَّاءِ أَحْسَنَ.