الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} ، وقال: ألا تراه كيف جمع بين الجمليتن دُونَ فَصْلٍ! انْتَهَى.
وَالَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ فِي شَرْحِ "الْمُقَرَّبِ": شَرَطَ الْكُوفِيُّونَ فِي جَوَازِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْفَصْلَ فَيُجَوِّزُونَ: مَنْ يَقُومُونَ الْيَوْمَ وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِخْوَتُنَا وَلَا يُجَوِّزُونَ: مَنْ يَقُومُونَ وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِخْوَتُنَا لِعَدَمِ الْفَصْلِ وَإِنَّمَا وَرَدَ السَّمَاعُ بِالْفَصْلِ. انْتَهَى.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يَشْتَرِطُونَ الْفَصْلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْجُمْلَتَيْنِ إِلَّا أَنْ يُقَدَّمَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى وَيُؤَخَّرَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} إِنَّمَا بُدِئَ فِيهِ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِذَا حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ جَازَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى ضَعُفَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَقْوَى فَلَا يَبْعُدُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَيَضْعُفُ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْقَوِيِّ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَضْعَفِ.
وَهَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ أَكْثَرُ مِنِ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَكَثْرَةُ مَوَارِدِهِ تَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا الْعَوْدُ إِلَى اللَّفْظِ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَقَدْ وَرَدَ بِهِ التَّنْزِيلُ كَمَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لله ورسوله وتعمل صالحا} فَقَرَأَهُ الْجَمَاعَةُ بِتَذْكِيرِ يَقْنُتْ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ من في التذكير وتعمل بِالتَّأْنِيثِ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا لِأَنَّهَا لِلْمُؤَنَّثِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَعْمَلْ بِالتَّذْكِيرِ فِيهِمَا حَمْلًا عَلَى لفظها.