ظن الذين كفروا} أَيْ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَمْرَ يُهْمَلُ وَأَنْ لَا حشر ولا نشر أم لم يَظُنُّوا ذَلِكَ وَلَكِنْ يَظُنُّونَ أَنَّا نَجْعَلُ الْمُؤْمِنِينَ كالمجرمين والمتقين كالفجار.
السادسة: أن التشبيه فِي الذَّمِّ يُشَبَّهُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، لِأَنَّ الذَّمَّ مَقَامُ الْأَدْنَى وَالْأَعْلَى ظَاهِرٌ عَلَيْهِ فَيُشَبَّهُ بِهِ في السلب ومنه قوله: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} ، أَيْ فِي النُّزُولِ لَا فِي الْعُلُوِّ.
وَمِنْهُ: {أم نجعل المتقين كالفجار} أَيْ فِي سُوءِ الْحَالِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَدْحِ يُشَبَّهُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى فَيُقَالُ: تُرَابٌ كَالْمِسْكِ وَحَصًى كَالْيَاقُوتِ وَفِي الذَّمِّ مِسْكٌ كَالتُّرَابِ وَيَاقُوتٌ كَالزُّجَاجِ.
السَّابِعَةُ: قَدْ يَدْخُلُ التَّشْبِيهُ عَلَى لَفْظٍ وَهُوَ مَحْذُوفٌ لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَحْذُوفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بما لا يسمع} .
فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: وَمَثَلُ وَاعِظِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَالْمُشَبَّهُ الْوَاعِظُ وَالْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ حَالِ الْوَاعِظِ مِنْهُمْ بِالنَّاعِقِ لِلْأَغْنَامِ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ مَعْنَى دُعَائِهِ وَإِنَّمَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلَا تَفْهَمُ غَرَضَهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ عَلَى الْغَنَمِ الَّتِي يَنْعِقُ بِهَا الرَّاعِي ويمد صوته إليها وَفِيهِ وُجُوهٌ:.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَعْنَى مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الْغَنَمِ لَا تَفْهَمُ نِدَاءَ النَّاعِقِ فَأَضَافَ الْمَثَلَ إِلَى النَّاعِقِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى لِلْمَنْعُوقِ بِهِ عَلَى الْقَلْبِ.
ثَانِيهَا: وَمَثَلُ الَّذِينَ كفروا ومثلنا ومثل مثلك الَّذِي يَنْعِقُ أَيْ مَثَلُهُمْ فِي الْإِعْرَاضِ.