فَالتَّسْبِيحُ بِالْحَمْدِ إِذَنْ يَنْفِي الْفَسَادَ وَالتَّقْدِيسُ يَنْفِي سَفْكَ الدِّمَاءِ وَالتَّسْبِيحُ شَرِيعَةٌ لِلْإِصْلَاحِ وَالتَّقْدِيسُ شَرِيعَةُ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَشَرِيعَةُ التَّقْدِيسِ أَشْرَفُ مِنْ شَرِيعَةِ التَّسْبِيحِ فَإِنَّ التَّسْبِيحَ بِالْحَمْدِ لِلْإِصْلَاحِ لَا لِلْفَسَادِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ لِلتَّسْبِيحِ لَا لِلتَّقْدِيسِ وَهَذَا شَكْلٌ مُرَبَّعٌ مِنْ أَرْضِيٍّ وَهُوَ الْإِفْسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ وَسَمَائِيٍّ وَهُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ وَالْأَرْضِيُّ ذُو فَصْلَيْنِ وَالسَّمَائِيُّ ذُو فَصْلَيْنِ وَوَقْعُ النَّفْسِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ فَالطَّرَفَانِ الْإِفْسَادُ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ وَالتَّقْدِيسُ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ وَالْوَسَطَانِ آخِرُ الْأَرْضِ وَأَوَّلُ السَّمَاءِ فَالْأَوَّلُ مُتَشَرِّفٌ عَلَى الْآتِي وَالْآخِرُ مُلْفِتٌ إِلَى الْمَاضِي.
وَكَمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ مُوجَزٍ
... يَدُورُ عَلَى الْمَعْنَى وَعَنْهُ يُمَاصِعُ
لَقَدْ جَمَعَ الِاسْمُ الْمَحَامِدَ كُلَّهَا
... مَقَاسِيمُهَا مَجْمُوعَةٌ وَالْمَشَايِعُ
وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْحَبْرُ مَرْمًى عَظِيمٌ يُوَصِّلُ إِلَى أُمُورٍ غَيْرِ مُتَجَاسَرٍ عَلَيْهَا كَمَا فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهَا.
وَقَسَّمَ بَعْضُهُمُ الْمُقَابَلَةَ إِلَى أَرْبَعٍ:.
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُقَدَّمَاتِ مَعَ قَرِينَةٍ مِنَ الثَّوَانِي، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النهار معاشا} .
والثانية: أن يأتي بجميع الثَّوَانِي مُرَتَّبَةً مِنْ أَوَّلِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فيه ولتبتغوا من فضله} .
وَكَذَلِكَ: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .