وقوله {وليس الذكر كالأنثى} أَيِ الذَّكَرُ الَّذِي طَلَبَتْهُ كَالْأُنْثَى الَّتِي وُهِبَتْ لَهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذَا لِلْخَارِجِيِّ لِمَعْنَى الذَّكَرِ فِي قَوْلِهِا: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بطني محررا} وَمَعْنَى الْأُنْثَى فِي قَوْلِهِا {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى}
الثَّانِي: لِمَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ أَيْ فِي ذِهْنِ مُخَاطِبِكَ كقوله تعالى {إذ هما في الغار} {إذ يبايعونك تحت الشجرة} وَإِمَّا حُضُورِيٍّ نَحْوُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ
الثَّالِثُ: الْجِنْسُ وَهِيَ فِيهِ عَلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَقْصِدَ الْمُبَالَغَةَ فِي الْخَبَرِ فَيُقْصَرَ جِنْسُ الْمَعْنَى عَلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَحْوُ زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيِ الْكَامِلُ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَجَعَلَ سِيبَوَيْهِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا مِنْ ذَلِكَ
وَثَانِيهَا: أَنْ يَقْصُرَهُ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ لَا الْمُبَالَغَةِ وَيُسَمَّى تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ نَحْوُ {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة} وَقَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} أَيْ جَعَلْنَا مُبْتَدَأَ كُلِّ حَيٍّ هَذَا الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ ثُبُوتُ الْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ لَا الشَّامِلَةِ لِأَفْرَادِ الْجِنْسِ نَحْوُ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ لَا يُرِيدُونَ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هَذَا الْجِنْسُ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ النِّسَاءِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الرِّجَالِ بِسَبَبِ عَوَارِضَ
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ بَابْشَاذَ: إِنَّ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَعْيَانِ وَتَعْرِيفُ الْجِنْسِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَذْهَانِ لِأَنَّ التَّفْضِيلَ فِي الْجِنْسِ رَاجِعٌ إِلَى الصُّورَتَيْنِ الْكُلِّيَّتَيْنِ فِي الذِّهْنِ