فَإِنَّهَا مَنْفِيَّةٌ مَعَ إِثْبَاتِ الْفِعْلِ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ {فَذَبَحُوهَا}
وَوَجْهُهُ أَيْضًا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلًا بُعَدَاءَ مِنْ ذَبْحِهَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَنْ تَعَنُّتِهِمْ وَحُصُولُ الْفِعْلِ إِنَّمَا فَهِمْنَاهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ {فَذَبَحُوهَا}
وَالْأَقْرَبُ أَنْ يقال: إن النفي وارد على الإثبات وَالْمَعْنَى هُنَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ الذَّبْحَ قَبْلَ ذلك لأنهم قالوا {أتتخذنا هزوا} وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّشْدِيدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شيئا قليلا} فَالْمَعْنَى عَلَى النَّفْيِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْكَنْ إِلَيْهِمْ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَوْلَا الِامْتَنَاعِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ امْتَنَعَ مُقَارَبَةُ الرُّكُونِ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ وُجُودِ التَّثْبِيتِ لِيَنْتَفِيَ الْكَثِيرُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَاءَ كَادَ الْمُقْتَضِيَةُ الْمُقَارَبَةَ لِلْفِعْلِ بقدر الظاهرة للتقليل كُلُّ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ الزَّكِيَّةُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَكَادُ يَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قليلا للتثبيت مع ما جبلت عليه
وهكذا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مِنِ ابْنِ عَطِيَّةَ وَغَيْرِهِ فَهُمْ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللَّطِيفِ بِمَعْزِلٍ
وَحَكَى الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ فِي كِتَابِ الْغُرَرِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَكَدْ يراها}
الْأَوَّلُ: أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ بِعُسْرٍ أَيْ رَأَهَا بَعْدَ عُسْرٍ وَبُطْءٍ لِتَكَاثُفِ الظُّلَمِ