أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى} : {أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى}
ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ: التَّقْدِيرُ بَلْ نُحْيِيهَا قَادِرِينَ لِأَنَّ الْحِسَابَ إِنَّمَا يَقَعُ مِنَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْيِ جَمْعِ الْعِظَامِ وَبَلَى إِثْبَاتُ فِعْلِ النَّفْيِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَعْدَهَا مَذْكُورًا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: التَّقْدِيرُ فَلْنُحْيِهَا قَادِرِينَ لدلالة أيحسب عليه وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ مَجِيءِ الْجَوَابِ عَلَى نَمَطِ السُّؤَالِ
وَالْمَجَازِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بربكم قالوا بلى} فَإِنَّ الِاسْتِفْهَامَ هُنَا لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيرِ لَكِنَّهُمْ أَجْرَوُا النَّفْيَ مَعَ التَّقْرِيرِ مجرى النفي المجرد في رده بـ "بلى"
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ قَالُوا نَعَمْ لَكَفَرُوا وَوَجْهُهُ أَنَّ نَعَمْ تَصْدِيقٌ لِمَا بَعْدَ الْهَمْزَةِ نَفْيًا كَانَ أَوْ إِثْبَاتًا
وَنَازَعَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَحْكِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهِ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ التَّقْرِيرِيَّ إِثْبَاتٌ قَطْعًا وَحِينَئِذٍ فَنَعَمْ فِي الْإِيجَابِ تَصْدِيقٌ لَهُ فَهَلَّا أُجِيبَ بِمَا أُجِيبَ بِهِ الْإِيجَابُ فَإِنَّ قَوْلَكَ أَلَمْ أُعْطِكَ دِرْهَمًا بِمَنْزِلَةِ أَعْطَيْتُكَ
وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: ذَكَرَهُ الصَّفَّارُ أَنَّ الْمُقَرِّرَ قَدْ يُوَافِقُهُ الْمُقَرَّرُ فِيمَا يَدَّعِيهِ وَقَدْ لَا فَلَوْ قِيلَ فِي جَوَابِ: أَلَمْ أُعْطِكَ نَعَمْ لَمْ يُدْرَ هَلْ أَرَادَ نَعَمْ لَمْ تُعْطِنِي فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُقَرِّرِ أَوْ نَعَمْ أَعْطَيْتَنِي فَيَكُونُ مُوَافِقًا فَلَمَّا كان يلتبس أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى