الْفَاءُ
تَرِدُ عَاطِفَةً وَلِلسَّبَبِيَّةِ وَجَزَاءً وَزَائِدَةً
الْأَوَّلُ: الْعَاطِفَةُ وَمَعْنَاهَا التَّعْقِيبُ نَحْوَ قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو أَيْ أَنَّ قِيَامَهُ بَعْدَهُ بِلَا مُهْلَةٍ وَالتَّعْقِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ نَحْوُ: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عنها فأخرجهما مما كانا فيه}
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بأسنا بياتا} وَالْبَأْسُ فِي الْوُجُودِ قَبْلَ الْهَلَاكِ وَبِهَا احْتَجَّ الفراء على أن ما بعد الفاء يَكُونُ سَابِقًا فَفِيهِ عَشْرَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَذَفَ السَّبَبَ وَأَبْقَى الْمُسَبِّبَ أَيْ أَرَدْنَا إِهْلَاكَهَا
الثاني: أن الهلاك على نوعين: استئصال وبغير اسْتِئْصَالٍ، وَالْمَعْنَى وَكَمْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا بِغَيْرِ اسْتِئْصَالٍ لِلْجَمِيعِ فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بِاسْتِئْصَالِ الْجَمِيعِ
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَجِيءُ الْبَأْسِ مَجْهُولًا لِلنَّاسِ وَالْهَلَاكُ معلوم لَهُمْ وَذَكَرَهُ عَقِبَ الْهَلَاكِ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا لِأَنَّهُ لَا يَتَّضِحُ إِلَّا بِالْهَلَاكِ
الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَعْنَى قَارَبْنَا إِهْلَاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا
الْخَامِسُ: أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ جَاءَهَا بَأْسُنَا فَأَهْلَكْنَاهَا
السَّادِسُ: أَنَّ الْهَلَاكَ وَمَجِيءَ الْبَأْسِ لَمَّا تَقَارَبَا فِي الْمَعْنَى جَازَ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخر