إِذَا تَقَدَّمَتِ اقْتَضَتِ الْإِحَاطَةَ بِالْجِنْسِ وَإِذَا تَأَخَّرَتِ اقْتَضَتِ الْإِحَاطَةَ بِالْمُؤَكَّدِ بِتَمَامِهِ جِنْسًا شَائِعًا كَانَ أَوْ مَعْهُودًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ كُلِي من كل الثمرات} . وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الثَّمَرَاتِ كُلِّهَا فَفِيهِ الْحِكْمَةُ السَّابِقَةُ وَتَزِيدُ فَائِدَةً وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهَا في النظم: {ومن ثمرات النخيل والأعناب} الْآيَةَ.
فَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا: ثُمَّ كُلِي مِنَ الثَّمَرَاتِ كُلِّهَا لَأَوْهَمَ أَنَّهَا لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فكان الابتداء بـ "كل" أَحْضَرَ لِلْمَعْنَى وَأَجْمَعَ لِلْجِنْسِ وَأَرْفَعَ لِلَّبْسِ.
وَأَمَّا الْمَقْطُوعُ عَنِ الْإِضَافَةِ فَقَالَ السُّهَيْلِيُّ حَقُّهَا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً مُخْبَرًا عَنْهَا أَوْ مُبْتَدَأَةً مَنْصُوبَةً بِفِعْلٍ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا أَوْ مَجْرُورَةً يَتَعَلَّقُ خَافِضُهَا بِمَا بَعْدَهَا كَقَوْلِكَ كُلًّا ضَرَبْتُ وَبِكُلٍّ مَرَرْتُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَذْكُورِينَ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلَهَا جُمْلَةٌ وَلَا أُضِيفَتْ إِلَى جُمْلَةٍ بَطُلَ مَعْنَى الْإِحَاطَةِ فِيهَا وَلَمْ يُعْقَلْ لَهَا مَعْنًى.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لِأَفْرَادِ التَّذْكِيرِ وَمَعْنَاهُ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ والأحوال ثلاثة:
فالأول: أَنْ يُضَافَ إِلَى نَكِرَةٍ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ مَعْنَاهَا فَلِذَلِكَ جَاءَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا فِي قَوْلِهِ تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر} {وكل إنسان ألزمناه} .
وَمُفْرَدًا مُؤَنَّثًا فِي قَوْلِهِ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كسبت رهينة} {كل نفس ذائقة الموت}