وقوله: {إني أسكنت من ذريتي} فَإِنَّهُ كَانَ نَزَلَ بِبَعْضِ ذُرِّيَّتِهِ.
الرَّابِعُ: بَيَانُ الْجِنْسِ وَقِيلَ: إِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ مُطْلَقًا حَكَاهُ التَّرَّاسُ وَلَهَا عَلَامَتَانِ أَنْ يَصِحَّ وَضْعُ الَّذِي مَوْضِعَهَا وَأَنْ يَصِحَّ وُقُوعُهَا صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا.
وَقِيلَ هِيَ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا تَحْتَهُ أَجْنَاسٌ وَالْمُرَادُ أَحَدُهَا فَإِذَا أَرَدْتَ وَاحِدًا مِنْهَا بَيَّنْتَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} . وَغَيْرَهَا فَلَمَّا اقْتُصِرَ عَلَيْهِ لَمْ يُعْلَمِ الْمُرَادُ فَلَمَّا صَرَّحَ بِذِكْرِ الْأَوْثَانِ عُلِمَ أَنَّهَا الْمُرَادُ من الجنس وقرنت بـ "من" لِلْبَيَانِ فَلِذَلِكَ قِيلَ إِنَّهَا لِلْجِنْسِ وَأَمَّا اجْتِنَابُ غَيْرِهَا فَمُسْتَفَادٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ وَالتَّقْدِيرُ وَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ أَيِ اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الْوَثَنِيَّ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْنَى الصِّفَةِ.
وَهِيَ بِعَكْسِ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ فَإِنَّ تِلْكَ يَكُونُ مَا قَبْلَهَا بَعْضًا مِمَّا بَعْدَهَا فَإِذَا قُلْتَ أَخَذْتُ دِرْهَمًا مِنَ الدَّرَاهِمِ كَانَ الدِّرْهَمُ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ وَهَذِهِ مَا بَعْدَهَا بَعْضٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوْثَانَ بَعْضُ الرِّجْسِ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ،أَيِ الَّذِينَ هُمْ أَنْتُمْ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَلِهَذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهَا التَّبْعِيضُ.
وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السماء من جبال فيها من برد} .
فَـ "مِنَ" الْأُولَى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيِ ابْتِدَاءِ الْإِنْزَالِ مِنَ السَّمَاءِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ بَعْضِ جِبَالٍ مِنْهَا وَالثَّالِثَةُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْجِبَالَ تَكُونُ بَرَدًا وَغَيْرَ بَرَدٍ
وَنَظِيرُهَا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} فَالْأُولَى لِلْبَيَانِ لِأَنَّ الْكَافِرِينَ نَوْعَانِ كِتَابِيُّونَ