اتِّفَاقُ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ عَلَى ذَلِكَ وَيُسْتَرَاحُ حِينَئِذٍ مِنْ إِيرَادِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ
وَعَكْسُ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَامًّا وَالْمُرَادُ الرَّسُولُ قَوْلُهُ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي سِيَاقِهَا: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتى يكونوا مؤمنين}
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين} فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} فِي أَلَا تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لِجَمْعَهَمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَهْتَمَّ بِوُجُودِ كُفْرِهِمُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ وَأَرَادَهُ
ثُمَّ قَالَ: وَيَظْهَرُ تَبَايُنُ مَا بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {ني أعظك أن تكون من الجاهلين} وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ
وَقَالَ مَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ: الْخِطَابُ بقوله: {فلا تكونن من الجاهلين} لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ
وَقَالَ قَوْمٌ: وُقِّرَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِسِنِّهِ وَشَيْبِهِ
وَقَالَ قَوْمٌ: جَاءَ الْحَمْلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرْبِهِ مِنَ اللَّهِ وَمَكَانَتِهِ كَمَا يَحْمِلُ الْعَاتِبُ عَلَى قَرِيبِهِ أَكْثَرَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَجَانِبِ
قَالَ: وَالْوَجْهُ الْقَوِيُّ عِنْدِي فِي الآية هو أن ذلك لم يجيء بِحَسَبِ النَّبِيِّينَ وَإِنَّمَا جَاءَ بِحَسَبِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ وَوَقْعِ النَّبِيِّ عَنْهُمَا وَالْعِقَابِ فِيهِمَا