وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ يَلْزَمُ مِنْهَا إِثْبَاتُ الْمِثْلِ وَنَحْنُ قَدْ مَنَعْنَاهُ بَلْ أَحَلْنَاهُ مِنَ الْعِبَارَةِ وَقِيلَ: لَيْسَتْ زَائِدَةٌ إِمَّا لِاعْتِبَارِ جَوَازِ سَلْبِ الشَّيْءِ عَنِ الْمَعْدُومِ كَمَا تُسْلَبُ الْكِتَابَةُ عَنْ زَيْدٍ وَهُوَ معدوم أو يحمل المثل على المثل أي الصفة كقوله تعال: ى {مثل الجنة} أَيْ: صِفَتُهَا فَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَتْ كَصِفَتِهِ شَيْءٌ
وَبِهَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ يَحْصُلُ التَّخَلُّصُ عَنْ لُزُومِ إِثْبَاتِ مِثْلٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً
وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الزَّائِدَ مِثْلٌ وَإِلَّا لَزِمَ إِثْبَاتُ الْمِثْلِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِاسْتِلْزَامِ تَقْدِيرِ دُخُولِ الْكَافِ عَلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَجِيءُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يَخْلُصُ مِنْ لُزُومِ إِثْبَاتِ الْمِثْلِ
وَقِيلَ: الْمُرَادُ الذَّاتُ وَالْعَيْنُ كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ آمنوا بمثل ما آمنتم به} وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
*عَلَى مِثْلِ لَيْلَى يَقْتُلُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ*
فَالْكَافُ عَلَى بَابِهَا وَلَيْسَ كَذَاكَ بَلِ الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْمِثْلِ لِيَكُونَ نَفْيًا عَنِ الذَّاتِ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الذَّاتِ الْمَمْدُوحَةِ مِثْلٌ فِي الْخَارِجِ حَصَلَ النَّفْيُ عَنْهُ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّخْيِيلُ فِي الِاسْتِعَارَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا الْبَيَانِيُّ
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يَكُونُ هَذَا نَفْيًا عَنِ الذَّاتِ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ أَنْ لَوْ كَانَتِ الْمُمَاثَلَةُ تَسْتَدْعِي الْمُسَاوَاةَ فِي الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ اتِّفَاقَ الشَّخْصِيَّتَيْنِ بِالذَّاتِيَّاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ اتِّحَادَ أَفْعَالِهِمَا