أَنَّ السكينة تنطق على لسان عُمَرَ وقلبه. وكثيرا ما ينطق صاحب السكينة بكلام لم يكن عن قدرة منه ولا رويَّة، ويستغربه هو من نفسه، كما يستغربه السّامع له. وربّما لم يعلم بعد انقضائه بما صدر منه. وأَكثر ما يكون هذا عند الحاجة، وصِدْق الرغبة من السائل والمُجالس، وصِدْق الرغبة منه هو إِلى الله. ومن جرّب هذا عرف قدر منفعته وعظمها، وساءَ ظنُّه بما يحسن به الغافلون ظنونهم فى كلام كثير من الناس. وهى موهبة من الله تعالى ليست بسببيّة ولا كَسْبية، كالسّكينة الَّتى كانت فى التَّابوت تُنقل معهم حيث شاءُوا. وقد أَحسن من قال:
وتلك مواهب الرّحمان ليست
... تُحَصَّل باجتهادٍ أَو بكَسْبِ
ولكن لا غِنَى عن بذل جهدٍ
... بإِخلاص وجِدٍّ لا بلِعْبِ
وفضلُ الله مبذولٌ ولكن
... بحكمته وعن ذا النصُّ يُنْبِى
فما من حكمة الرّحمان وضع الـ
... كواكب بين أَحجارٍ وتُرْبِ
فشكرًا للذى أَعطاك منه
... ولو قَبل المحلُّ لزاد ربِّى
والمسكين - بكسر الميم وفتحها -: من لا شىء له، وهو أَبلغ من الفقير.
وقوله تعالى: {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} فإِنَّه جعلهم مساكين بعد ذهاب سفينتهم، أَو لأَن سفينتهم غير معتدّ بها فى جنب ما كان لهم