بقولِ عَمَّارٍ حينَ قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كان يكفيك" (1)، فاختصر، فدلَّ على أنهم لم يُريدوا حقيقةَ سِياقِ لفظِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
ويحتملُ أن عَمَّارًا عَبَّرَ بالكَفَّينِ، وأراد بهما اليدين تَجَوُّزًا؛ بدليلِ ما رُوي في بعضِ طرقِ حديثِ عَمار "وأن تمسح بيدكَ إلى المِرْفقين" (2).
فإن قلتَ: فقولُه: "ثم مسحَ الشِّمالَ على اليمين، وظاهرَ كَفيهِ ووجهَه"، يدلُّ على أنه قصدَ أن يبينَ له مقدارَ الواجبِ في التيمُّم.
قلنا: مسحه بالشِّمال على اليمين يحملُ على طلب (3) تَخفيفِ الغُبار؛ كما وردَ في بعضِ ألفاظه: "ثم نَفَضَها" (4)، ثم بيَنَ لهُ مسحَ الوجهِ، وسكتَ عن اليدينِ، والسكوتُ يحتملُ أن يكونَ من عمارٍ، بدليلِ ما وردَ في بعضِ طرقِه: "وأن تَمْسَحَ بيديكَ إلى المِرْفَقَيْنِ"، والقضيةُ واحدةٌ.
ولو حملنا بيانه - صلى الله عليه وسلم - على بيانِ مقدارِ الواجبِ في التيمُّم، لكان مقدِّمًا لفرضِ اليدِ على الوجهِ في التيمُّم؛ بدليل ما ورد في بعض رواياته: "ثم مسحَ وجهه" (5)، بلفظةِ (ثم) الموجبةِ للترتيب، ولم يردْ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تقديمُ اليدين على الوَجْهِ في وضوءٍ ولا تيمُّمٍ، لا قولًا ولا فعلًا. (1) رواه البخاري (339)، كتاب: التيمم، باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش، تيمم.
(2) رواه أبو داود (328)، كتاب: الطهارة، باب: التيمم، عن عبد الرحمن بن أبزى.
(3) "طلب" ليست في "أ".
(4) رواه البخاري (340)، كتاب: التيمم، باب: التيمم ضربة، عن شقيق، عن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري.
(5) رواه البخاري (332)، كتاب: التيمم، باب: التيمم للوجه والكفين، عن عمار بن ياسر.