وذهب قومٌ إلى قَبولِ الجِزْيَةِ من كُلِّ مُشْرِكٍ، واعتمدوا حديثَ سُلَيْمانَ بنِ بُرَيْدَةَ الذي قَدَّمْتُهُ في "سورةِ البقرة"، وبهذا قالَ مالِكٌ (1).
وذهبَ آخرون إلى استثناءِ مُشْرِكي العرب، وبهِ قالَ أبو حنيفة (2).
ونقلَ بعضُ العلماءِ الاتفاقَ على استثناءِ القُرَشِيِّ، فلا يُقْبَلُ منه الجِزْيَةُ.
واختلفوا في عِلَّتِهِ: فقيلَ: تشريفًا لهُ عن الذِّلَّةِ والهَوان؛ لمكانِهِ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل: لأنَّ قُرَيْشًا كانَتْ آمَنَتْ بعدَ الفَتْحِ، فلا يُقْبَلُ منه إلا الإِسلام (3).
ومُقْتَضى الخِطابِ أنهم إذا بَذَلوا الجِزْيَةَ، وَجَبَ الكَفُّ عن قتالِهم، وهو كذلكَ، إلا أن يُخاف غائِلَتُهم (4)، ويُخْشى منهمُ المَكْرُ والخَديعةُ.
وإذا بذلوا الجزيةَ فلا يجُب عليهم إعطاؤها إلَّا بعدَ الحَوْلِ من وقتِ التزامِها، فالإعطاءُ هو الالتزامُ، لا حقيقةُ الإيتاء.
* ومتى وَجَبَ قَبولُ الجِزْيَةِ، فلا بُدَّ من اقترانِها بالصَّغارِ والهَوانِ؛ كما أمرَ اللهُ سبحانه.
والصغارُ عندَ الشافِعيُّ، هو: التزامُهُمْ لِجَريانِ أحكامِ الإِسلامِ عليهم في عَقْدِ الذِّمَّةِ (5).