أنه قال: ليس الخطأ أن تدخل بعض السورة في الأخرى، ولا أن تختم الآية
بحكيم عليم، أو عليم حكيم، أو غفور رحيم، ولكن الخطأ أن تجعل فيه ما
ليس منه، أو أن تختم آية رحمة بآية عذاب، أوآية عذاب بآية رحمة.
وقال أبو عبيد في معنى ذلك ما حاصله: أنه إذا أبدل شيئاً من ذلك
غلطاً، أو سبق لسان، أو نحو ذلك، لم يخرج عن كونه شافياً كافياً، فإن
الكل صفات الله، ومعاني نحو هذا يقارب بعضه بعضاً، فلا يعنف على هذا
الإبدال، ولا يقال له: أخطات، بل يقال له: التلاوة كذا وكذا بخلاف ما
إذا ختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب برحمة، فإنه غيّر المعنى فحينئذ يطلق
عليه الخطأ.
وليس المراد بالحديث والأثر: أنه يجوز له أن يتعمد إبدال ذلك والله
أعلم.
وهذه السورة التي وقع لأبيّ الخلاف فيها مع صاحبيه رضي الله عنهم
هي سورة النحل.
روى الِإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في أول تفسيره عن أبي
رضي الله عنه قال: دخلت المسجد فصليت، فقرأت النحل، ثم جاء رجل
آخر فقرأها على غير قراءتي، ثم دخل رجل آخر، فقرأ بخلاف قراءتنا.
فدخل في نفسي من الشك والتكذيب أشد مما كان في الجاهلية، فأخذت
بأيديهما، فأتيت بهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله استقرىء هذين، فقرأ أحدهما، فقال: أصبت، ثم استقرأ الآخر، فقال: أحسنت، فدخل قلبي أشد مما كان في الجاهلية من الشك والتكذيب فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدري فقال: أعاذك الله من الشك وخسأ عنك الشيطان، ففضت عرقاً.
فقال: أتاني جبريل عليه السلام فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: إن أمتي لا تستطيع ذلك حتى قال سبع مرات، فقال: اقرأ على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتها مسألة.