وامَّا مَا يخص عيسى عليه الذي هو صورة سورتها، ومطمح إشارتها.
فجعل الحروف اللسانية من هذه الحروف، أغلبها ثلاثة أحرف منها، إشارة
إلى أن إبراهيم عليه السلام بما أعطى في نفسه وفي ذريته ولسان الصدق
المذكور به، إجابة لدعوته في قوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ، وتحقيقاً لوعده في هذه السورة في قوله: (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) ، هو لسان هذا الوجود، وإلى أن دولة إله الذين عيسى عليه السلام من أعيانهم، هي وسط هذا الوجود حقيقة وخياراً.
فموسى عليه السلام أول أصحاب شرائعهم بمنزلة القاف، التي هي
من أقصى اللسان من أول مخارجه، وله حظ كبير منها، فإنه من أجله قتل
أبناء بني إسرائيل، وولد في سنة القتل، وكان سبب هجرته وابتداء سيره
إلى الله تعالى، قتله القبطي، وقرب نجيا، ومن صفاتها الجهر، والشدة -
والانفتاح والاستعلاء والقلقلة، وهو - صلى الله عليه وسلم - عريق في كل من خيرات ذلك.
وداود عليه السلام ثاني ذوي كتبهم، بمنزلة الهمزة التي هي أبعد من
مخرج الهاء إحدى هذه الحروف، وهو أول من جمع من بني إسرائيل بين الملك
والنبوة، وله حظ من وصفها بالاستفال في أول أمره، وفي آخره بما كان من
بكائه ونواحه، قتواضعه وإخباته لربه وصلاحه.