بدل: "وما علمناه "، فإن الوزن ليس مما يتكسب بالتعليم، بل هو غريزة
يخلقها الله في طبع من يريد.
وأدل دليل على ذلك قوله تعالى: (قل ما أسالكم عليه من أجر وما
أنا من المتكلفين) ، فنفي ما يخص الشاعر من الاستجداء بشعره، ونفي
التكلف في قرضه ثم أثبت ما يخص القرآن من الصفة التي فَاقَ وفارق فيها
جميع الكلام، فقال: (إنْ هو إلا ذكرٌ للعالمين) .
أي كلهم يشترك في أصل فهمه - مع أنه أعلى من جميع الكلام -
الذكى منهم والغبي، والبليغ والعيى، وإن اختلفت فيه فهومهم، وتفاوتت في دقائقه علومهم.
وأما الشعر والسجع، فإنما يفهمهما خواص العالمين، مع أنهما دون هذا
القرآن، بما لا يجهله ذو لسان، وإن كان قاصراً في البيان.
والدليل على ما قدمته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتمثل بالشعر فتارة يكسره، وتارة يتركه على وزنه، وتارة يأتي بالكلام من عند نفسه فيقع موزونا وتارة - وهو الأغلب - لا يكون موزوناً، وتارة يأتي مسجوعاً، وتارة. - وهو الأغلب أيضاً - لا يكون كذلك، وما ذلك إلا لِإرادته الأمر على صحة المعاني التي يأمره الله (تعالى) بها في الكلام البليغ، من غير تعريج على قصد نظم ولا سجع.
(روى الِإمام أبو محمد البغوي بسنده من طريق أبي إسحاق