فَيَشْتَدُّ حِصَارُهُمْ وَيُجْهِدُهُمْ جَهْدًا شَدِيدًا ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيُنَادِي مِنْ السَّحَرِ فَيَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى الْكَذَّابِ الْخَبِيثِ فَيَقُولُونَ هَذَا رَجُلٌ جِنِّيٌّ فَيَنْطَلِقُونَ فَإِذَا هُمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَيُقَالُ لَهُ تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ فَيَقُولُ لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ فَلْيُصَلِّ بِكُمْ فَإِذَا صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ خَرَجُوا إِلَيْهِ قَالَ فَحِينَ يَرَى الْكَذَّابُ يَنْمَاثُ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَيَمْشِي إِلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ وَالْحَجَرَ يُنَادِي يَا رُوحَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ فَلَا يَتْرُكُ مِمَّنْ كَانَ يَتْبَعُهُ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ.
وفي الصحيح أحاديث بمعنى ذلك.
وفي أحاديث أنه يتزوَّج ويولَدُ له الولد، ويمكث في الأرض سبع سنين، ويدْفن معه - صلى الله عليه وسلم -.
وفي الصحيح أنه رَبْعة أحمر كأنما خرج من دِيْمَاس - يعني حَمَّاما.
وعيسى اسم عبراني أو سرياني، وهو أحد الأربعة الذين سمّاهم الله قبل
وجودهم.
فإن قلت: قد اختاره الله لإقامةِ دينه، وخَصَّه بما لم يخصّ به أحد غيره، فلِمَ
لا يتقدم للصلاة بهذه الأمّة، وما الحكمة في تمثيل الله له بآدم، ولِمَ خلِق من
غير أب؟
والجواب أن الله ينزله لتجديد الشريعة المحمدية، فلو أمّ بهم لظنّوا أنه أتى
بشريعته المتقدمة، فنفى توهّم ذلك بقوله: ليتقدم إمامكم.
وأمَّا تمثيل اللهِ له بآدم فلأنَّ بقاءَ آدم بالتراب وبقاءَ النفس بالريح، والترابُ
طيّب والريح طيبة، والتراب يميز الخبيث من الطيب، والريح تميز الْحَبَّ من
التَبن، والريح رحمة والأرض رحمة، والأرض مسخرة، قال تعالى: (هو الذي
جعل لكم الأرْضَ ذَلُولا) .
والريح مسخّرة، والأرض مختلفة: خبيث وطيب، وحَزْن وسَهْل، والريح مختلفة منها لواقح وصَرْصر، وصَبا وشمال، ودَبور وجُنُب، والتراب يطفئ النار، والريح أيضاً يطفئها.
وكما مثّل الله عيسى بآدم مثّل الدنيا بماء السماء، قال تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ) .