الرزق مضافاً إلى ضمير ما ملكت أيمانهم، ويكون الذين فَضَّلُوا به مملوكهم هو رزق مملوكهم الذي يساوِيهم به في نفس الأمر.
(فلا تَضْرِبوا للهِ الأمْثَال) :
الضمير يعود على مَنْ عبد غير اللَه وأشركوهم في العبادة، مع أنهم لا يملكون شيئاً، فنبههم سبحانه بهذه الأمثال والمواعظ ليتنبّهوا ويرجعوا، لكن من المصيبة خطاب غير العاقل، والعاقل تكفيه الإشارة، ولا يستغرب هذا في حقهم، لأنَّا مثلهم في عدم الفهم والإدراك.
(فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) :
إما أن المراد به الكفار باعتبار من سيؤْمِنُ منهم وهم أقلّهم، فأقلهم يعلمون، وإما أن يراد به الأصنام، وعبَّر بالأكثر عن الكل، وهو بعيد.
ويحتمل أن يكون الحمد للَه من كلام الله تعالى، أثنى على نفسه بنفسه، أو
أمْرًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصا به، أو عامًّا له ولأمته: قولوا الحمد للَه على ما أنعم علينا، بأنْ هدانا ووفّقنا.
وفي قوله: (يَسْتَوُون) دليل لمن يقول: إنَّ أقلَّ الجمع اثنان كما قدمنا.
ونَفْيُ المساواة يقع في القرآن على وجهين: تارة مطلقاً كهذه الآية، وكقوله: (هل يَسْتَوي الذين يَعْلَمون والذين لا يَعْلمون) ، وتارة مع تعيّن الأرجح، كقوله: (لا يستوي أصحاب النارِ وأصحاب الجنةِ أصحابُ الجنة هم
الفائِزون) .
وكقوله: (لا يَسْتَوِي منكم مَن أنْفَق مِن قَبلِ الفَتْح) .
وإنما لم يعين هنا الأفضل لظهوره قبل، وكذلك كل أحد يعلم أنَّ أصحاب الجنة هم الفائزون.
وذلك أنَّ أصحاب النار يدخل فيهم العُصاة من المؤمنين والكفار، فهل قصد تفضيل أصحاب الجنة بالإطلاق على أصحاب النار بالإطلاق، أو على الكفار، فلما أعيد ذكر الأفضل علم أن المراد بأصحاب النار أصحابها حقيقة، وهو من حُكمَ عليه بالخلود فيها.
فإن قلت: الآية خرجت مخرج المدح لفاعل ذلك، فَهَلاَّ ذكر فيها صدقةَ
السرّ فقط، لأنها أفضل؟