ألا تراه قال لموسى لا توجّه تِلْقَاء مدين وجاع وعَيي ورفع رأسه فقال: أنا الغريب الفقير المريض - فأجابه: الغريب الذي ليس له مثلي حبيب، والفقير الذي ليس له مثلي نصيب، والمريض الذي ليس له مثلي طبيب.
فرضي بهذه الكلمات.
(فلا يَصدّنَّكَ عنها) :
الضمير للساعة، أي لا يصدنَّكَ عن الإيمان بها والاستعداد لها.
والخطاب لموسى.
وقيل لنبينا ومولانا محمد، وهو بعيد، لأنه قد استعدَّ لها.
وقيل الضمير للصلاة، وهو بعيد.
(فتَرْدَى) ، أي تهلك.
وهذا الفعل منصوب في جواب (لا يصدنَّك) .
(فألْقَاهَا فإذا هي حيَّةٌ) :
لما ذكر موسى عليه السلام المنافع التي كانت في عصاه بسؤال الله له أمره أنْ يُلْقيها ليَرَى فيها عجائب غير التي كانت فيها، ويعلمَ أن الله يؤيده وينصره ويعزّه، فألقاها امتثالاً لأمْرِ ربه، فقلب الله أوصافَها وأعراضها، فصارت حيّةً تسعى، أي تنتقل من مكان إلى مكان.
والحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، والصغير والكبير.
وقد قدمنا أنَّ الله سمّاها بأسماء مختلفة: بالحية، والثعبان، والجان، فأراد
بالحية أول أمرها صغيرة رقيقة، ثم تتزايد وتصير كالثعبان في سرعة حركة
الجان.
وقيل: كان لها عرْف كعرف الفرس، وكان بين لَحْيَيْها أربعون ذراعاً (1) .
قال ابن عباس: انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلعُ الحجرَ والشجر، لها كلام كالرعد
القاصف.
فلما رآها موسى كذلك خاف.
وقد قدمنا أن خوفه إنما كان ممن أجل عِلْمه أنها كانت من الشجرة التي أكل منها آدم، وقيل: لأنها كانت معجزة بالخوف منها، فخاف منها كل أحد.
فقال الله له: يا موسى، اذهب بها إلى فرعون، وخُذْها، ولا تَخَفْ، سنُعيدها سيرتها الأولى.
وموسى أمّنه الله من أربع مخاوف: من إلقاء العصا، وفرعون، وقومه، ومن
قَتْل القبطي، فأمنه الله منها جميعا.