(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) :
يعني أن قوم إبراهيم طلبوا منه أنْ يَخْرج معهم إلى عيد لهم، وأراد الامتناعَ من ذلك، فنظر في النجوم لأنهم كانوا منَجِّمين، وقال لهم: إني سقيم، أي فيما يستقبل، لأن كلَّ إنسان لا بد له أنْ يمرض، أو أراد أنه سقيم النفْسِ مِنْ كفرهم وتكذيبهم له، وهذا التأويل أولى.
وقيل: إنه كانت تأخذه الْحمَّى في وقت معلوم، فنظر في وقتِ أخْذِها له، واعتذر عن الخروج معهم لذلك.
وقيل: نظر وفكر فيما يكون من أمره معهم، لأنه أراد كسر أصنامهم، فقال: إني سقيم.
والنجوم على هذا ما يَنْجم مِنْ حاله معهم، وليست نجوم السماء، وهذا بعيد.
(فما ظَنُّكم بربِّ العالمين) :
المعنى أي شيء تظنون برب العالمين أن يعاقبكم وقد عبدتم غيره، أو أي شيء تظنون أنه هو حتى عبدْتم غيره، كما تقول: ما ظنّك بفلان إذا قصدت تعظيمه، فالقصد على المعنى الأول تهديد، وعلى الثاني تعظيم للَه وتوبيخ لهم.
(فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) .
لما قال لهم: إني سقيم - خافوا أن يكون طاعوناً، فخافوا منه.
وتباعدوا خَوْفاً مِن عَدْواه، فمال إلى آلهتهم، وقال هذا القولَ على وجه الاستهزاء بالذين يعبدونها، وقد قدمنا فائدة إدخال الفاء في هذه الآية.
(فجعلناهم الأسْفَلين) :
يعني قوم النمرود، وذلك أنه قال له: يا إبراهيم، إن كان ربّك ملكاً فليحارِبْني بعسكره، وليأخذ الملك مني.
فقال إبراهيم: إلهي، إن نمرود ركب مع جنوده، فأرْسِلْ إليه جنْداً من أضعف خَلْقك، وهي البعوض، لأنها إذا شبعت تموت وسائر الحيوان إذا شبع يَحْيَا، فأوحى الله إليه: يا إبراهيم، لو لم تسأل جند البعوض لأرْسلتُ عليهم جنْداً ما لَوْ جمعت منه لم يكن مثل ما أهلكتهم به (1) .
قال تعالى: (وما يعلم جنودَ ربِّك إلا هو) .
فركب نمرود - لعنه الله - في سبعمائة ألف فارس مقَنّع ومدَرع، وخرج إلى الخلاء يطلب المبارَزة، فأرسل الله جنْدَ البعوض، وقال لهم: