والجواب: لا استواء بينهم، لأن الشركة في الشيء قد تقتضي تساوي
الشركاء في ذلك المشترك فيه وقد لا تقتضي.
والضال والمضلّ وإن اشتركا في العذاب فللمضِلِّ ضعفان، لأنه ضلَّ وأضلّ.
فإن قلت: قد قال الذين كفروا: (إنا كلٌّ فيها) ، أي في النار؟
فالجواب أنه إخبار عن التَّساوي في المكان، لا عن الواقع فيه، لأنهم في
دَرَكات متفاوتون.
وقد صح أن سيدنا ومولانا محمداً - صلى الله عليه وسلم - سأل عن سكانها، فقال: الطبق السابع مأوى المناففين.
والسادس مأوى مَنْ طغى وبغَى وادعَى الربوبية.
والخامس مأوى الجبّارين والظالمين.
والرابع مأوى المتكبرين والكافرين.
والثالث مأوى اليهود.
والثاني مأوى النصارى! وسكت عن الأول، فقال له: أخبرني عن الأول - وألحّ عليه، فقال: عصاة أمتك يا محمد، فأغمي عليه فلما أفاق بكى بكاءً شديدا، وأغلق عليه الباب، وصار يطلب في أمته، فجاءه جبريل وبشّره بالشفاعة فيهم.
اللهم كما جعلته رحيما بنا لا تحرمنا من شفاعته، أقسم عليك بجاهه عندك.
(فَبَشَّرْنَاه بغلام حَليم. . . الآيات، إلى قوله: (وفَدَينَاه بِذِبْحٍ عظيم) .
هذه البشارة انطوت على ثلاثة أشياء: على أن الولد ذكر، وأنه يبلغ أَوَان الحلم، وأنه يكون حليما.
قيل: ما نعَتَ الله الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام بأقل مما نَعَتَهم بالحلم، وذلك لعزة وجوده.
ولقد نعت الله به إبراهيم، وأَيّ حلم أعظم من حلمه لمّا عرض
عليه أبوه الذبح قال: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) .
والحادثة شهدت بحلمهما جميعاً.
وفي هذا دليل على أنَّ الإشارة بإسماعيل وهو الذّبيح، وأمْرُ ذبحه كان
بالحجاز بمنى، وتمّ رَمى إبراهيم الشيطان بالجمرات، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: أنا ابن الذَّبِيحين، يعني إسماعيل، وعبد اللَه أباه الذي نذر عبد الطلب لما حفر بئر زمزم أنْ يَذْبح أحد أولاده، فخرج السهم على عبد اللَه، فمنعه أخواله وقالوا له: افْدِ