(فسلَكهُ يَنَابِيعَ في الأرض) .
أي أدخل المطر وأجراه.
والينابيع: جمع ينبوع، وهو العين، وفي الآية دليل على أنَّ ماء المطر هو الْمخْرِج للعيون.
(فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) ، أي في حق الله.
وقيل في أمره، وأصله من الجنب، بمعنى الجانب، ثم استعير لهذا المعنى.
ومعناه اتقوا يوماً تقول فيه كلّ نفس: (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) .
ندامةً على استهزائه بأمر الله تعالى.
فإن قلت: لم نكرت النفس؟
فالجواب أن المراد بها بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، ويجوز أن يراد
نفس متميِّزَة من الأنفس إمّا بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم، ويجوز أن تكون للتكثير، قال قتادة: لم يكْفه أنْ ضَيّعَ طاعةَ الله حتى سخر من امتثالها.
وروي أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك عِلْمه وفسق - أتاه إبليس، فقال
له: تمتَّع من الدنيا ثم تبْ.
فأطاعه، وكان له مال، فأنفقه في الفجور، فأتاه ملك الموت في ألَذ ما كان، فقال: "يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ"، ذهب عمْري في طاعة الشيطان، وأسخطت الملك الدَّيان، فندم حين لم ينفعه الندم، فأنزل الله خبره في القرآن.
فليتأمل العاقلُ هذا الوعيد الهائل، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، على طَمْس
قلوبنا، وغَفْلتنا عما يراد بنا.
صدق الله العظيم في قوله في بعض كتبه: " يا علماء السوء، قد وعظتكم وأنذرتكم، ومِنْ فعل القبيع حذّرْتُكم، وكثير من الآيات أريتكم فلم تنتفعوا بالمواعظ والآيات، (وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) ، تطيعون أنفسكم فيما تشتهون وهي تعصيكم فيما تأمرون، بئس العبيد أنتم إذا علمتم أنكم لا تنالون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، ولا تبلغون كل ما
تأملون إلا بصبركم على ما تكرهون، تريدون مرافقة النبيين والصديقين والشهداء