السماء، وانظر ضَعف عقولهما وعقول قومهما وجهلهم بالله في كونهم طمعوا أنْ يصِلوا إلى السماء ببنْيان الصرح.
وقد روي أنه أول من علمنا الآجر، وصعد على الصرح بعد بنيانه، ورَمى
بسهم إلى السماء، فرجع السهم مخضوباً بالدم، وذلك فتنة له ولقومه، وتهكم به.
(فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) :ضمير التأنيث يعود على السماوات، قوله: ائتيا مجاز، وهو عبارة عن تكوين طاعتهما، وكذلك قولهما: (أتَيْنَا طائعين) ، عبارة على أنهما لم يمتنعا عليه حين أراد تكوينهما.
وقيل: بل ذلك كلام حقيقة، أنطق الله السماوات والأرض بالطوع، ولهذا جعهما جمع العقلاء لفعلهما فعلهم.
وقول الله لها عبارة عن لزوم طاعتهما كما يقول الملك لمن
تحت يده: افعل كذا، شئْتَ أو أبَيتَ، أي لا بدّ لك من فعله.
وقيل تقديره: أتيتما طوعاً وإلا أتيتما كَرْهاً.
وقيل: إن المجيب له من الأرض موضع الكعبة.
ومن السماوات البيت المعمور، فلِذا أكرمهما الله بالطواف بهما.
فإن قلت: هلّا قال طائعتين على اللفظ أو طائعات على المعنى، لأنها سموات
وأرضون؟
فالجواب لما جعِلن مجيبات ومخاطبات ووُصفن بالطوع والكره قال: (طائعين)
في موضع طائعات، نحو قوله: ساجدين - تغليبا.
فإن قلت: لم ذكر الأرض مع السماء وانتظمهما في الأمر بالإتيان، والأرضُ
مخلوقَة قبل السماء بيوميين؟
فالجواب قد خلق جرم الأرض أولاً غير مَدْحوَّة كما قدمنا، فالمعنى ائتيا
على ما ينبغي أن تأْتيا عليه من الشكل والوَصْف، ائتي يا أرض مدحوة قراراً
ومِهَاداً لأهلك، وائتي يا سماء مقبية سقْفًا لهم، ومعنى الإتيان الحصول والوقوع.
وتنصره قراءةُ من قرأ واتَتَا من المواتاة، وهي الموافقة، أي يتواتِ كلّ واحدة
أختها ولتوافقها، قالتا: وافقنا وساعدنا.