وغيرهم - أنهم قالوا: نروي هذه الأحاديث كما جاءت ونؤمن - بها، ولا يقال كيف، ولا نفسر ولا نتَوَهّم.
وذهبت طائفة من أهل السنّة أنّا نؤوّلها على ما يليق بجلاله تعالى، وهذا
مذهب الخلف.
وكان إمام الحرمين يذهب إليه، ثم رجع عنه، فقال في الرسالة
النظامية: الذي نرتضيه دينا وندين الله به عقداً اتباع سلف الأمة، فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها.
وقال ابن الصلاح: وعلى هذه الطريقة مضى صَدْر الأمة وساداتها، وإياها
اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من
المتكلمين من أصحابنا يَصْدف عنها ويأباها.
واختار ابن بَرْهان مذهب التأويل، قال: ومنشأ الخلاف بين الفريقين: هل
يجوز أن يكون في القرآن شيء لم يُعلم معناه أم لا، بل يعلمه الراسخون.
وتوسّط ابن دَقِيق العيد، فقال: إذا كان التأويل قريبا من لسان العرب لم
ينكَر، أو بعيدا توقفنا عنه، وآمنا بمعناه على الوجه الذي أرِيد به التنزيه.
قال: وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهراً مفهوماً من تخاطب العرب قلنا به من غير توقيف، مما في قوله: (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)
فنحمله على حق الله وما يجب له.
وكذا استواؤه على العرش بالعدل والقهر، كقوله: (قائماً بالقِسْطِ) ، فقيامه بالقسط والعدل هو استواؤه، ويرجع معناه إلى أنه أعطى
كل شيء خلقه موزوناً بحكمته المبالغة.
وقد أكثر بعض الناس في جواب هذه الآية حتى أنهاه إلى عشرين حذفناها
للإطالة.
ومن ذلك قوله تعالى: (تعلم ما في نَفْسي) .
خرج على سبيل المشاكلة، مراداً به الغيب، لأنه مستتر كالنفس.