فإن قلت: ما معنى عطفه هنا بالفاء، وفي الثانية من سورة الصافات.
بخلاف الأولى؟
والجواب أن هذه الآية من كلام أهل صنعاء لما رأوا جتتهم محرقة وندموا
على ما كان منهم وجعلوا يقولون: (سُبْحَانَ رَبِّنَا) ، (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ) .
وأما عطف أولى الصافات بالواو فلأنه عطف جملة على جملة فحسب، وعطف الآية بعدها بالفاء، لأنه عطف جملة على جملة بينهما مناسبة والتئام، لأنه حكى أحوالَ أهْل الجنة ومذاكرتهم فيها، وما جرَى بينهم في الدنيا وبيْن أصدقائهم، وهو قوله: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) .
(فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) ، أى ثمانية أملاك، والمراد بالفوقية
أنهم - يزادون يوم القيامة أربعة، لأنهم اليوم أربعة رؤوسهم عند العرش، وأرجلهم تحت الأرض السابعة.
وقال ابن عباس: هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحدٌ عدتهم.
والأول أصح لوروده في الحديث.
(فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ) :
أي يتمنى أنه لا يُعْطَى كتابه.
وقال ابن عطية: يتمنى أن يَكون معدوماً لا يَجْرِى عليه شيء.
والأول أظهر.
(فَصِيلتِه التي تُؤْوِيه) ، أي تَضُمُّه، فيحتمل أن يريد تضمّه في الانتماء إليها، أو في نُصرته وحِفْظه من المضرات.
(فَأُدْخِلُوا نَارًا) :
يعني جهنم، وعَبَّر عن ذلك بالفعل الماضي، لأنَّ الأمر محقق وقيل: أراد عَرْضَهم على النار، وعَبَّر عنه بالإدخال.
(فاجراً) : مائلاً عن الحق.
وأصل الفجور الميل.
(فزَادُوهم رَهَقاً) :ضمير الفاعل للجن، وضمير المفعول للإنس.